دأبت القنوات الفضائية العربية على تقديم وجبات يومية “دسمة” من الأعمال الدرامية المختلفة خلال أيام شهر رمضان المبارك من كل عام، وأصبح الشهر الفضيل موسماً سنوياً يتبارى فيه المنتجون وكتاب السيناريو في تقديم أفضل ما لديهم خلال هذا المهرجان السنوي، وتسعى القنوات الفضائية إلى جذب المشاهدين، وتحقيق أعلى نسبة مشاهدة بما ينشط معه سوق الترويج الإعلاني، وتسويق المنتج الدرامي نفسه بغض النظر عن مضمون هذا العمل أو ذاك، وما يحمل من رسالة ومضمون وهدف ثقافي أو تربوي أو إصلاحي بعيداً عن مجرد الترفيه والتسلية.
وبعيداً عن نوعيات الأعمال الدرامية ومضامينها وأهدافها ونوعياتها، أو حتى نجاحها وفشلها على الصعيد الجماهيري، فإن كثير اًمن أصوات النخبة العربية المعنية تعالت ورفعت شعارات التنبيه والتحذير من مخاطر ما تطرحه كثير من هذه الأعمال، وطالبت بترشيح و”فلترة” كثير منها حتى لا تتعارض مع جدران منظومتي الأخلاق والقيم، فإن البعض قد نوه إلى الآثار السلبية التي تخلفها زحمة الأعمال الدرامية على صعيد الأسرة وترابطها وتماسكها، بل تعالت أصوات المتخصصين الذين سارعوا إلى إثبات وجود علاقة سلبية مباشرة ما بين ما تطرحه كثير من الأعمال الدرامية، وما تتعرض له الأسرة من مشاكل وأزمات تصيبها بالتصدع والانهيار، وقد تباينت الآراء ما بين مؤيد ومعارض حول تأثير الدراما التليفزيونية على مفهوم وحقيقة الترابط الأسري، والتواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، وسلوك الشباب والأطفال واتجاهاتهم ونظرتهم إلى الحياة، وعلاقاتهم الأسرية البينية، وانعكاسها أيضاً على سلوكياتهم اليومية.
ما حقيقة هذه العلاقة ؟ وإلى أي مدى تُساهم الدراما التليفزيونية في تغيير سلوكيات الأبناء؟ وأين دور الرقابة الأسرية؟ ومن المسؤول عن المضامين السلبية التي تؤثر على قيم الأسرة والمجتمع بما تحمله من تيارات وأفكار غريبة تحمل الكثير من مخاطر الغزو الثقافي القادم إلينا من كل حدب وصوب؟
قول إبراهيم الأحمد مدير تليفزيون أبوظبي: “يمثل الإنتاج الدرامي قطاعاً مهماً من الإنتاج الإعلامي الذي يهتم به قطاع عريض من فئات المجتمع المختلفة لا سيما الشباب الذي تتعدد دوافعه لمشاهدة ومتابعة الدراما من حيث الترفيه والتعلم واكتساب المعرفة والتفاعل مع الآخرين وفهم قضايا اجتماعية، والتعرف على أنماط اجتماعية جديدة إلى جانب عنصري الترفيه والتسلية بطبيعة الحال، ووسط هذا الزخم الهائل من الإنتاج ربما نجد خللاً مجتمعياً من حيث التأثير، وزيادة الفجوة بين الأجيال، أو نرى انفصال الشباب عن مشكلاتهم الواقعية مما يعطل طرق العلاج والتنمية، أو نرى أعمالاً تعرض نماذج ساخرة من الشخصيات الإنسانية، وتقدم أشكالاً وقيماً سلبية أو جديدة لأفراد الأسرة الواحدة، ونرى بالتالي أن كل طرف يذهب في اتجاه مخالف، أو تتباين الاتجاهات، أو عدم الاتفاق حول المضمون، أو المحتوى، وبالتالي قد يسبب هذا الاختلاف شروخاً فكرية وثقافية بين أبناء الأسرة الواحدة، والمشكلة أن كثيرا من الجمهور يجهل ثقافة الاختلاف، أو أن البعض من الشباب يتبنى كثيرا من الأفكار أو القيم الخاطئة ويعتبرها منهجاً له في الحياة”.
تشوش الاتجاهات
يؤكد إياد المزروعي “طالب جامعي”:” أن كثيراً من الدراما العربية التي تعرض في التليفزيونات العربية ولا سيما خلال الشهر الفضيل، وما تتمتع به من نسبة مشاهدة عالية، يساهم في تدمير عقول الشباب، و”تشوش” اتجاهاتهم، ويهدر أوقاتهم، ويؤدي أحياناً إلى حدوث مشاكل سلوكية واضطرابات نفسية واجتماعية، بل إن بعضها يثير الرعب في قلوب الأطفال، والبعض يعمق مشاعر سلبية عديدة بما يقدم من نماذج تاريخية هشة أو غير صحيحة أو مشوهة، أو أنها تساعد على انتشار العنف أو اللغة الهابطة بين الأطفال والشباب وفي طريقة تعاملهم، ومن الأهمية تقييم ما يعرض بما ينسجم وثقافة المجتمع”.
وتضيف عائشة السعيد “موظفة”: “لا ننكر ما يمكن أن تسهم به الأعمال الدرامية من تأثيرات إيجابية وأهمها على الجانب الثقافي والمعرفي ودورها في تنمية الخيال وتقديم مضمون إعلامي هادف ومفيد، لكن الخطورة أننا نجد غالبية الدراما تقدم نماذج يعتبرها الصغار قدوة ومثلاً أعلى، وهي نماذج تجري وراء التقليد الغربي، والموضة والقيم السطحية أو الانحلالية، ولا يمكن إنكار أو حجب تأثيرها السلبي على الأطفال وتفادي ذلك بالجلوس معهم وإقناعهم بأنها مجرد تمثيل، لكنني أشجع الأعمال التي تحترم عقلية المشاهد، فالدراما نوع خطير من الغزو الفكري للشباب وللمجتمع بشكل عام، وتستطيع أن تؤثر في التفكير والسلوك والتعامل مع الآخرين، وعادة ما نرى أنها تنمي لدى الصغار والمراهقين غير الناضجين الرغبة الدائمة في الاستقلال والذاتية، بل تنشر مفاهيم مغلوطة عن الحرية والنجاح وكيفية مواجهة الضغوط والتعامل معها بما لا يتناسب وثقافة وقيم المجتمع”.
تأثيرات سلبية
ترى ناهد سالم “كبيرة مُعدي البرامج في تليفزيون أبوظبي الإمارات: “أن الدراما تسهم في تغيير ثقافة الأسرة والمجتمع بأكمله بل تساعد على تغيير أو تشويه الهوية، ويتأثر بها المتلقي بشكل مباشر في أحيان كثيرة، فإن القيم الأسرية والتنشئة الاجتماعية تتأثر بلا شك بمضمون هذه المسلسلات، ومن الصعب أن تسيطر الأم على ضبط أوقات المشاهدة للصغار طيلة أيام شهر رمضان، أو غير رمضان، فتقف عاجزة أمام هذا الكم الهائل مما يعرض على عشرات القنوات الفضائية، وأمام عدد مرات الإعادة، وهي مشتتة بين مسؤولياتها الأسرية أو العمل، وبعد عودة الأم تنهمك في الأعمال المنزلية ولا تتمكن من مراقبة الأبناء طيلة الوقت، ولا في اختيار المضمون الذي يشاهدونه”، وتشير إلى أن متابعه الأبناء لما يعرض في الدراما يجعلهم يتصرفون دون تفكير مع الميل إلى التقليد لما يشاهدونه أو يحبونه غير مهتمين بتحليل هذه السلوكيات وتفسيرها بما يتوافق مع قيم المجتمع، فإذا كان بعض ما يقدم ذات مضمون جيد، فهُناك عشرات الأعمال تساهم في إفساد سلوكيات الأبناء، وتنشر ثقافة الانحراف والتعرف على الجرائم المختلفة وطريقه تنفيذها بدقة مثل السرقة والقتل بالإضافة إلى إهدار وقتهم وتعليمهم مبادئ وقيم تختلف عن قيمنا وأخلاقنا، إن الدراما لها تأثيرها على حياة وواقع شباب اليوم لأن ليس لديها من الخبرة والمعرفة ما يكفي لمساعدتها على اختيار الدراما الجيدة من المدمرة، فالناس يمكنهم أن ينتقوا ما يشاهدون بما يحاكي الواقع الذي يعيشه دون مخالفة للقيم، وربما هذا يرجع إلى كيفية تنشئة الأبناء داخل الأسرة ومدى توعيتهم بالأشياء التي تفيدهم، ولهذا لا بد للوالدين أن يكونوا مراقبين جيدين لأبنائهم دون تسلط حتى يستطيعوا التدخل في الوقت المناسب إذا لزم الأمر”.
الهدف من الدراما
أما المخرجة التليفزيونية رولا البرجاوي فتقول: “في رأيي إن الهدف من الدراما ليس الترفيه فقط، ويجب أن يكون للعمل رسالة اجتماعية واضحة، حتى الكوميديا يجب أن تكون هادفة، فما قيمة أي عمل درامي أو كوميدي من دون هدف أو رسالة اجتماعية؟ المادة مهمة جداً من أجل الاستمرار، ولكن الهدف الأول من تقديم أي عمل هو الإضاءة على بعض مشكلات وآفات المجتمع ونقل رسالة مباشرة أو غير مباشرة للمشاهدين ليأخذوا العبرة منها وينقلوها إلى الأجيال القادمة”.
مظاهر وقشور
تُشير خبيرة العلاقات الأسرية أحلام الجمالي إلى تأثير الدراما السلبي على اللغة، وتقول:” تعتمد بعض الأعمال التليفزيونية على لغة عامية، أو يشيع فيها ألفاظ سيئة وقبيحة وسطحية وهشة، والكتاب والمخرجون يقتبسون أحياناً بعض الأفكار الغربية ونجدها تنتشر بسرعة بين المراهقين والصبية ويستخدمونها في تعاملاتهم اليومية، ويتداولونها عبر رسائل المحمول، وهي بلا شك نوع من الدعاية لنشر قيم معينة، فبالإضافة إلى سلبياتها نجد أنهم يتعلقون بالقشور والمظاهر في طريقة الملبس والمظهر وتقليد الأشياء البعيدة تماماً عن ديننا وقيمنا الأصيلة، كما يحاكون طريقة العنف التي تمتلئ بها هذه الأعمال”.
وترى الجمالي أن الموجة الجديدة من الإنتاج الدرامي العربي تخص العائلة بكاملها من الطفل إلى الكبير في السن، حيث إن هذه المسلسلات تلعب دوراً في لم شمل العائلة في أوقات واحدة أمام التلفاز لتلقي هذه الوجبة الفنية فيقضي الجميع وقتاً سعيداً للتسلية والترفيه والاستفادة مما تقدمه المسلسلات من عبر وقيم بحيث تسهم في توعية أفراد الأسرة ككل وخاصة الناشئين لكونها تتطرق إلى قضاياهم المتشعبة فضلاً عن جوانب أخرى كثيرة من صلب الواقع، لكن ليست كل الأعمال الدرامية متشابهة من حيث الهدف الذي تسعى إليه موضحاً أن بعض الأعمال تقدم لأجل التسلية لا أكثر ولا ضير في متابعتها، لكن معظم الأعمال التي شاهدناها العام الماضي ونشاهدها هذا العام مستمدة من صلب حياتنا وواقعنا وتاريخنا وهي تؤثر فينا جميعاً”.
نماذج إنسانية
بينما يرى الدكتور عصام حامد خبير الجودة والأداء الحكومي، أنّ دور التسلية يفوق دور التوعية في الدراما فالمواطن الذي يقضي يومه في العمل لا بد له من مادة تليفزيونية تخفف عنه في آخر النهار خاصة عندما يجتمع مع عائلته، كما أنه يفضل الأعمال التي تتناول موضوعات اجتماعية لأنها تجدها قريبة جداًَ من الحياة اليومية وتحاكي نماذج إنسانية موجودة في المجتمع وأحداثا تتعلق بالتفاصيل اليومية المعيشة مضيفة أن ذلك يقدم دوراً “توعوياً” للدراما، كما أنه يصوغ من الواقع القصص التي لها وظيفة تفيد المشاهد وتملأ وقته بما هو جيد وأفضل من بقية الرسائل الإعلامية الأخرى، ويفترض أن تقدم الدراما دوراً توعوياً وتوجيه رسائل مفيدة للجمهور تسهم في ملء وقته بما هو إيجابي وممتع، ويرى حامد أن الدراما تطلع المواطن على أشياء لا يعرفها إذ إنها تسلط الضوء على ما هو مجهول لدى الكثيرين ما يسهم في التعليم والتثقيف من خلال قصص اجتماعية تحتوي على الحب والكره والجريمة والإحسان لابد أنها تسهم في توعية الناس ونشر القيم الأخلاقية والتحذير مما هو سلبي على مستوى الحياة بصورة عامة.
لماذا الاختلاف؟
تُشير الإعلامية الفنّانة نهى رأفت إلى خطورة الرسالة التربوية والإعلامية والأخلاقية التي تحملها هذه الأعمال، وتقول: “إن الخطورة هنا تتمثل في ثقافة الكاتب والمؤلف والسياق العام الذي يتم فيه العمل، والمناخ السياسي السائد، وعوامل الربح والخسارة، ومن المؤكد أن العمل يحمل خطاباً سياسياً أو اجتماعياً أو دينياً أو ثقافياً معيناً، أو يروج لفكرة ما، أو لاتجاه بعينه، فكيف يمكن لأفراد الأسرة باختلاف أعمارهم وثقافاتهم واتجاهاتهم أن يميزوا بين هذا وتلك؟ ومن يستطيع ضمان المصداقية التاريخية أو الأخلاقية أو مصداقية العمل من الناحية المهنية، أو مصدر المعلومات التي تقدم للأجيال؟ لقد أصبح مباحاً أن نمجد قيم بذاتها مثل القوة والجرأة والإباحية والأخلاقيات والأنماط السلوكية الخارجة عن المألوف والمرفوضة في مجتمعنا لأنها تفقدنا هويتنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وقيمنا الجميلة النبيلة، فمن يتحكم في كل ذلك؟
الاغتراب الأسري
ترى الاختصاصية والخبيرة الاجتماعية بالهلال الأحمر مريم الفزاري أن تطور وسائل الإعلام والاتصال ووسائل التكنولوجيا الحديثة من شبكات الإنترنت والموبايل والتليفزيونات وانتشار القنوات الفضائية قد أضر بشكل مباشر على حالة التواصل والحوار المباشر بين أفراد المجتمع بشكل عام، وعلى أفراد الأسرة الواحدة بشكل خاص، رغم أن العالم أصبح كقرية صغيرة، لكن التواصل أصبح مقصوراً على “ماسيجات” أو “إيميلات”، وغالباً ما نجد جميع أفراد الأسرة الواحدة يجتمعون حول عمل درامي بعينه لاختلاف أعمارهم وميولهم ورغباتهم واتجاهاتهم، ومن ثم نجد في جانب آخر أنهم يلتقون أمام عمل درامي محدد، وكل واحد منهم يقتبس منه ويتأثر بما يتوافق معه، دون حوار أو مناقشة وهذا يسهم في توسيع دائرة الاغتراب الثقافي والاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة، ونادراً ما نشاهد اتفاقاً بين كل أفراد الأسرة الواحدة حول عمل معين، أو موقف درامي محدد، أو حبكة درامية معينة، فكل فرد يساهم بطريقته في ترويج مضامين وموضوعات تتناسب وحالته الخاصة، فلا يمكن منع الدراما ولا يمكن منع أو حجب مشاهدتها ومتابعتها، لكن يجب معالجتها من خلال قنوات التليفزيون والإعلام المحلي والمؤتمرات والندوات واللقاءات، دون أن نهمل دور أولياء الأمور في خلق درجة من الوعي لدى الأبناء وخاصة الأطفال ويقوموا بمتابعتهم بين الحين والآخر وإرشادهم وتوجيههم إلى ما هو صواب وخطأ، بالإضافة إلى دور الإعلام في توفير البديل من القنوات والبرامج المفيدة ثقافياً وفكرياً، وفي الوقت نفسه تكون ملائمة لعاداتنا وتقاليدنا حتى لا تسيطر مساوئ العولمة على العالم كله”.
وتلفت الفزاري إلى عدم إمكانية بل واستحالة اتفاق جميع أفراد الأسرة الواحدة على عمل درامي معين، فذلك يرجع إلى اختلاف الأعمار ونوع التعليم وتعدد الاتجاهات والميول الذاتية، وفي الوقت الذي يغيب فيه دور التوجيه والإرشاد الأسري، نجد أن كل فرد يحمل إسقاطات العمل الدرامي على ذاته، وقد يتبناها في سلوكياته اليومية، وقد تغير مسار حياته، وهنا نفاجأ بأن الدراما قد خلفت وألقت بظلالها السلبية الكثيفة على أفراد الأسرة دون أن نشعر، ومن ثم يجدر الاهتمام والتوقف أمام هذه الحالة التي تتعدى كونها ظاهرة اجتماعية”.
توحيد الاتجاهات
أما عن دور الأسرة فيقول الدكتور هشام العربي، خبير العلاقات والاتصال : “تقوم الأسرة بدور فعّال في رفض الأعمال الهادمة والرخيصة ومقاومتها، والحوار الأسري حول القضايا المثارة يجب أن يكون على مستوى احترام العقل والقيم الإنسانية والدينية والمجتمعية والتأكيد على ثوابت الأمة وتوحيد الرؤى حول الأفكار وتوحيد الاتجاهات نحو القضايا، مع ملاحظة الاستخدام الرشيد وعدم الإسراف في المشاهدة، وخاصة من خلال القنوات الدرامية المتخصصة، فكلما زادت كثافة مشاهدة الدراما زاد إدراك مضمون القيم الثقافية المتضمنة على أنها تعكس الواقع حتى وإن كان غير ذلك.
فالدراما يجب أن تقوم بدور فعال في تصحيح المفاهيم والمساهمة في عرض القضايا الراهنة وتوضيح سبل العلاج من خلال مواقف حياتية اجتماعية، تخرج بالدراما من قوقعة التسلية والترفيه إلى رحاب التنمية والتطوير. وأن هذه الأعمال الدرامية أحياناً تنشر الفساد، كما أنها تنبه إلى خطورة هذا الفساد كي لا ينتشر، وهي رسالة تنبيه للمجتمع وإنذار بوجود هذا الشيء الدخيل على أخلاقنا وديننا، وهناك أسباب كثيره يهاجم بها الناس جرأة الدراما ويعتبرونها أمراً سلبياً بينما يراه البعض العكس، فهناك أعداء لهذه الجرأة لأنها شي جديد على مجتمعاتنا، فمجتمعاتنا لم تعتد على الجرأة، بل إن قاعدة عريضة اعتادت على الخوف أو الحياء من مناقشه مشكلاتنا، فنحن بشر نتأثر بما حولنا ومجتمعنا مجتمع مدني معقد ويجب استيعاب أن مجتمعنا تحول من مجتمع ريفي بسيط إلى مجتمع مدني معقد مختلف والتعايش مع هذا التحول ومعرفه أساليب الحياة والتربية الحديثة فيه حتى لا تكثر هذه المشكلات ونعرف كيفية مواجهتها لأننا لم نعد نعيش في ذاك المجتمع الريفي الصغير المتجانس السهل الذي يكون فيه اكتساب سلوك جديد فيه صعباً جداً عكس وضعنا الحالي.
مشكلة الوعي
أما الدكتور فؤاد أسعد أستاذ العلاقات الإنسانية بجامعة هارفارد الأميركية فيقول: “يصعب على الشباب اكتساب الفضيلة من خلال الأعمال الدرامية لكثرة الرذائل الموجودة وأن الشباب والمراهقين ليسوا على درجة من الوعي تسمح لهم بإدراك واقع المشكلات الاجتماعية، وإدراك ما يمكن أن تؤديه الأعمال الدرامية من مشكلات أسرية، خاصة فيما يتعلق مثلاً بمشكلات العنوسة والطلاق والعنف الأسري، وهذا يتطلب ضرورة المعالجة الدرامية لحل المشكلات المجتمعية بدلاً من المساهمة في تكريسها، خاصة أن هذه المشكلات قد ارتفعت نسبة وجودها في المجتمعات العربية، كما أنها تمتد لتشمل قطاعات عديدة في المجتمع، كقطاع المرأة والطفل، وترتبط ارتباطاً مباشراً بالعديد من القضايا الأخرى، كأطفال الشوارع، والإدمان، والبطالة. وتؤكد العديد من الدراسات الإعلامية الأخرى للدراما العربية أن تركيزها ينصب على القيم السلبية أو الشاذة بما يفتح المجال لظهور اختلال في القيم، وظهور مجموعة من الأفكار السلبية في الأعمال الدرامية، مثل: اختلال قيمة الكفاح، واهتزاز صورة الأب والأم والأسرة، والنظرة المادية للزواج، وعدم احترام العلم، وسيطرة مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وعدم احترام القانون، وقلة عدد الشخصيات الإيجابية في الأدوار الرئيسة وزيادتها في الأدوار الثانوية.
ويضيف: في وسط هذا الزخم الهائل من التأثيرات الدرامية السلبية، نجد نماذج أخرى استطاعت الاستفادة من هذا الفن في حل بعض مشكلات المجتمع في المجالات المختلفة، كالتعليم، والزراعة، والطب، والإرشاد، ذلك ما يدعونا للنظر إليها كوسيلة للإصلاح من خلال تناول أطرافها المتعددة.
فالدراما كقالب فني يستطيع من خلال أشكاله المتعددة وقدرته على التأثير أن يأخذ مكانته في تنمية المجتمع وترسيخ قيمه الأصيلة، وهو ما يلقي العبء على فئات عديدة يمكنه المساهمة في دعم هذا الفن وتنقيته من الرذائل التي لحقت به، والاستفادة من مقوماته وخصائصه في التأثير على المجتمع، ومن هذه الفئات الكاتب والسينارست الذي يستطيع من خلال قلمه عرض المشكلة، وإعطاء الحلول، وتجنب الأخطار، وتصحيح السلوكيات، ونشر الفضيلة، ومحاربة الرذيلة، وكذلك الممثلون، يمكن أن يقوموا بدور إيجابي يتمثل في حسن اختيار الأدوار واعتبار عملهم رسالة تنموية وتربوية لا أن يكون مصدراً للربح غير المشروع، وعلى المنتجين دور في نجاح هذا القطاع الفني من حيث دعم الأعمال الفنية الراقية والأصيلة بما يتناسب مع الإمكانات الإنتاجية الحديثة، وتدعيم القيم العربية والإسلامية من خلال أعمال إنتاجية مشتركة ضخمة تكرس من أجل نشر الرسالة الراقية، كما يجب تشجيع الخريجين في مجال الإخراج والتصوير والمونتاج، وإتاحة الفرصة لهم للاستفادة من التقنيات الحديثة، ودعم أصحاب الخبرة لهم.
سلاح ذو حدين
تؤكد الدكتورة موزة المالكي، أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة الدوحة “أن الدراما التليفزيونية بلاشك مع انتشارها الواسع هي سلاح ذو حدين، فهي شكل من أشكال التمثيل الثقافي وإن كان هناك شيء من المغالاة في عرضها، وأن الفارق الوحيد هو استطاعة المتلقي على التفرقة بين الواقع المعاش والدراما المنتجة، وتفسير كل ما يفد إليه من أشكال درامية على أنه واقع هذه المجتمعات ولا يعلم أن بها شكل من الإبهار ليقبل عليها ويعجب بها، بينما البعض الآخر يحجم عنها وفقاً لثقافته الفرعية، وما تم ترسيخه من قيم في أعماقه، ومدى تأثره بهذا النوع من الثقافة الواردة، فعندما تتمثل إيجابياتها في اكتساب بعض القيم الإيجابية، وتنمية بعض القدرات العقلية والمهارات المكتسبة من الثقافات المختلفة لدى الكبار والصغار في كيفية التعامل والتصرف في المواقف المتنوعة، وتساهم في تنمية الثقافة الشخصية والمعارف، وإلقاء الضوء على بعض صفحات تاريخ الشعوب وثقافاتها المختلفة وحضاراتها، نجد تأثيرها السلبي عندما تطرح عادات وقيما ومبادئ في الاتجاه المخالف للثقافة التي نعيش فيها خاصة لدى الأطفال والشباب لأن قيم المجتمع ليست راسخة بشكل تام في نفوسهم في الوقت الذي خفّ وتضاءل فيها تأثير الأسرة والمدرسة، لذا فإنها تؤثر في عقولهم وسلوكياتهم، ونجدهم يتشبهون بهذه النماذج في السلوك والأفعال والألفاظ، وأحيانا يتعلمون بعض أنماط الجريمة المنظمة من خلال التعرض للدراما التي تقدم بعض أشكال العنف والسلوك العدواني”.
وتضيف المالكي “أن المجتمع العربي بطبيعته شعب متدين متمسك بالعادات ويعلي من شأن القيم الدينية والأخلاقية، وإن كان هناك بعض مظاهر الخروج علي المألوف، أو ما هو مدسوس بهدف تجاري ضيق، أو لتفتيت القيم داخل المجتمع، بالإضافة إلى ما يعبر منها عن طبيعة المجتمع، والبعض الآخر يغالي في عرض الواقع، فإذا كانت الدراما عملا إبداعيا في الأساس، فلا يعني ذلك أن تركز على النماذج الشاذة أو المتطرفة في اتجاهاتها وقيمها، فالمحصلة النهائية من هذه الأنواع تترك تأثيراتها وبصمتها على المتلقين، فالمشاهدون إما متخصصون يقومون بالنقد والتحليل لكل ما يعرض، وهم قلة بالطبع، أو من النوعية التي تأتي لتتلهى وتتسلى دون هدف سوى تضييع الوقت، أو من فئة الصغار والصبية والمراهقين أو محدودي الثقافة من الكبار وهم القطاع الأعرض ، والمقلدون، وهذا ما نخشاه لأن ليس كل ما يعرض يتفق مع قيم المجتمع من حيث المظهر والملبس والثقافة والأخلاق، فالشباب يلجأ إلى تقليد المشاهير دون أدنى تفكير، ومعظم ما يرتدونه من ملابس وما يكتب عليها من ألفاظ خارجة صارخة لا تتناسب مع الحياء والذوق العام”.
كما تؤكد المالكي: “أن الدراما التليفزيونية ظاهرة شائكة وخطيرة، فهي نوع من الغزو الثقافي بكل بساطة، لأن بمجرد الضغط على زر “الريموت كنترول” نشاهد مختلف الثقافات بخيرها وشرها لتفرض نفسها وتقتحم خلوتنا ومنازلنا، وإن اخترت مادة درامية معينة لا أستطع أن انفصل عنها، وقد أجد نفسي مضطرة لمتابعتها بإلحاح لحب الاستطلاع، وكثيراً ما يقف المشاهد أمام قاعدة “المرغوب ممنوع”، فنحن نتحايل على الأمور، فكيف نحدد الضوابط التي تحكمنا عند مشاهدة هذه الأعمال؟
في استطلاع «الاتحاد»
مشاحنات ومشاجرات وفسخ خطبة وهجر بيت الزوجية
في استطلاع “الاتحاد” رأت عينة عشوائية من الجمهور قوامها” 30 حالة” من الجنسين” 22 من الإناث، و 8 حالات من الذكور”، ومن مختلف الأعمار ممن تابعوا الأعمال الدرامية التليفزيونية خلال شهر رمضان المنقضي، حيث أكدوا على متابعتهم اليومية بانتظام لأكثر من ثلاثة مسلسلات درامية على الأقل خلال الشهر الكريم، فضلاً عن برامج المنوعات الأخرى.
وخلص الاستطلاع إلى عدد من المؤشرات المهمة يمكن إيجازها فيما يلي:
◆ كان متوسط عدد الساعات التي تقضيها الإناث أمام شاشة التليفزيون خلال الشهر الكريم ما بين (7-8) ساعات /يومياً لغير العاملات، و 5 -6 ساعات/ يومياً للطالبات والعاملات في مجالات مختلفة. في مقابل 4 - 5 ساعات/يوميا بالنسبة للذكور.
◆ كانت الدراما التليفزيونية هي الشاغل الأهم لجميع أفراد العينة.
◆ أقرت بارتباك 76 % من الإناث برنامج المسؤوليات اليومية لهن بسبب متابعتهن للأعمال الدرامية، وفي المقابل أقر الذكور الثمانية ذلك وبنسبة
100 %.
◆ أكدت 26 حالة من الجنسين “ 80.5 % “ تقريباً، أن الحرص على متابعة الأعمال الدرامية، والاستغراق في مشاهدة التليفزيون يؤثران سلبياً على ترابط وتماسك وتواصل أفراد الأسرة، وافتقادهم الحوار خلال الشهر مقارنة بغيرها من أيام.
◆ أشار21 حالة إلى وجود أكثر من جهاز تليفزيون في البيت الواحد، مما ساعد على وجود فرص اختيار أوسع أمام أفراد الأسرة للمتابعة التليفزيونية في نفس الوقت حسب رغباتهم بمعزل عن الآخرين في نفس البيت.
◆ أشار 12 “ 40 %” من الحالات إلى أن هناك اختلافات فكرية، وخلافات في الرأي والاتجاهات قد حدثت خلال متابعتهم لأحداث الدراما اليومية، بسبب عوامل السن، واختلاف رؤى الشباب والصبية والمراهقين، أو بسبب “سيناريوهات” خادشة للحياء أو لأسباب مختلفة. وأن هناك 4 حالات من بين الثلاثين حالة شهدت مناقشات حادة، ومواقف متوترة أعقبت التعليق أو المناقشة حول مضمون الحلقة الدرامية، وهم جميعاً من المتزوجين.
◆ أفادت 11 حالة أخرى بأن أسرها شهدت مشاحنات حادة بين الأشقاء بسبب الدراما، ولا سيما بين الفتيان والفتيات ممن هم في عمر المراهقة.
◆ذكرت إحدى الحالات أن إحدى قريباتها قد “فسخت” خطبتها من خطيبها بعد احتدام النقاش لتباين المواقف بين الطرفين بعد متابعة أحد المسلسلات، بينما ذكرت أخرى أن جارتها تركت بيت الزوجية لمدة وذهبت إلى بيت أهلها لمدة ثلاثة أيام إثر مشاجرة حادة قبل أن يعيدها زوجها لمنزل الزوجية مرة أخرى بعد تدخل الأقارب.
صورة نمطية سلبية للمرأة في الأعمال الدرامية
يشير الدكتور محمد العوضي في دراسته عن “دور الإعلام وانعكاساته على الأسرة” إلى أن الصورة النمطية لجسد المرأة في التلفزيون كانت ذات أثر سلبي على المشاهدات، حيث ارتفع معدل الإحباط وعدم الرضا عن الذات لدى الفتيات عندما يقارنَّ بين أجسادهن وأشكالهن وما يرينه على الشاشة، كما ارتفع متوسط الإنفاق على إجراءات إنقاص الوزن لدى الكثير من السيدات مقارنة مع متوسط الإنفاق من أجل الغرض ذاته في عقود سابقة.
كذلك استخدمت الصورة النمطية للمرأة وسيلة لترويج السلع وإدخال تيارات جديدة من السلوك في المجتمعات، حيث اعتمد المعلنون على بيع الصورة الذهنية لترويج السلعة، مثل الإعلانات التي كانت تقدم المرأة المدخنة في الولايات المتحدة في الخمسينيات على أنها الأكثر جاذبية، وبالتالي تم الترويج لنوع من السجائر باعتباره مخصصا للمرأة المدخنة. ويشير العوضي إلى دراسة أجريت على عينة من 166 مراهقة هولندية وأظهرت أن الفتيات اللائي يشاهدن الدراما التي تقدم الأمهات باعتبارهن ربات بيوت يقدمن سعادة الأطفال ويضعنها في المقام الأول كانت لديهن (أي الفتيات) تصورات ذهنية مطابقة لما تقوم به الأمهات في الحقيقة، كما انطبقت هذه الصورة على الدور الذي يردن أن يقمن به عندما يصبحن أمهات، وتشير هذه النتيجة إلى تأثير الدراما على المشاهد من خلال التقمص الوجداني والميل إلى المحاكاة. وأن كثيرا من الموضات أو الصراعات كانت وسائل الإعلام هي منصة الإطلاق لها والمروج لها إما بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل قَصة الشعر، أو الجلباب الحريمي الذي ظهرت به إحدى المطربات في فيديو كليب شهير والأمثلة كثيرة”
اتجاهات الشباب العربي
في دراسة تحليلية للباحثة المصرية رانيا أحمد محمود مصطفى، لنيل درجة الدكتوراه من قسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام بجامعة القاهرة عام 2006 بعنوان: “تأثير الدراما العربية والأجنبية المقدمة في القنوات الفضائية العربية على قيم واتجاهات الشباب العربي”، بعد تحليل مضمون المسلسلات الأجنبية المعروضة في فترتي المساء والسهرة خلال مدة زمنية محددة على قنوات الفضائية المصرية، وأبوظبي، mbc1، وmbc4، توصلت إلى جملة من النتائج منها:
◆ وردت القيم الاجتماعية الإيجابية بنسبة 34%، وجاءت السلبيات الاجتماعية في مقدمة القيم الموجودة في المسلسلات التليفزيونية بنسبة 41.7 %، وجاءت القيم الاقتصادية الإيجابية بنسبة 6.9 %، بينما جاءت القيم الاقتصادية السلبية بنسبة 10.2 %، وجاءت القيم السياسية الإيجابية بنسبة 2.1 %، والسلبية بنسبة 5.1 %.
◆ جاءت العلاقات الجنسية غير الشرعية في الترتيب الأول بالنسبة للسلبيات الاجتماعية، وجاء الكذب في المرتبة الثانية.
◆ يتضح أن معظم القيم المقدمة في المسلسلات قد تم قبولها بنسبة 89.4 %، وهي نسبة مرتفعة على الرغم من أن المقدم قد يكون سلبيات إلا أن النسبة الكبيرة قد تم قبولها بينما تم رفض القيم بنسبة 10.6%.
◆ ارتفاع نسبة المشاهدة للدراما بشكل عام بنسبة 100 % للجمهور عينة الدراسة، مما يؤكد على الدور الذي تستطيع الدراما أن تقوم به في التأثير على قيم واتجاهات الشباب العربي.
◆ يعد مستوى التمثيل والإبهار المرتفع من أول الأسباب التي تجعل الشباب عينة الدراسة تتابع المسلسلات الأجنبية بنسبة 59.7 %، ولأنها موضوعات جديدة في المركز الثاني بنسبة 43.5 %، وجاء هدف التسلية والترفيه في الترتيب الثالث بنسبة 39.8 %.
الأسرة الإماراتية «الأولى عربياً»
تسابقت العديد من المواقع الإلكترونية لنشر نتائج رسالة دكتوراه للباحثة المصرية لبنى الكناني من كلية الإعلام بجامعة القاهرة، عن تأثير الدراما التلفزيونية على الأسرة العربية وتماسكها ومتانة العلاقات بين أفرادها، ومدى الالتزام بالقيم الدينية والاجتماعية بجانب الاهتمام بالمرأة من خلال الطرح الدرامي، وهل يمكن الاعتماد على الدراما التلفزيونية كأداة بحثية لتقييم تماسك الأسرة العربية؟ ورغم أن هذا الجانب كان محوراً أو جانباً من جوانب البحث، توصلت الباحثة “الكيلاني” إلى عدد من النتائج أهمها أن الأسرة الإماراتية هي الأولى عربياً، تليها الأسرة التونسية، وتحل الأسرة السورية في المركز الثالث، والأسرة المصرية رابعاً. فقد نالت الأسرة الإماراتية 62 % عربياً لتميز علاقتها الأسرية من خلال المسلسلات التلفزيونية، فيما حصلت التونسية 54.9 % والسورية 54.3 % وحلت الأسرة المصرية رابعاً بنسبة 46.8 %. وبدا أن نموذج الأسرة المتماسكة في الإمارات هو الأكثر تكراراً في مسلسلاتها، إذ ظهر بنسبة
85.2% فيما هو في المسلسلات السورية يظهر بنسبة 7.4 % فقط. ورغم الفارق بين الرقمين في الدراما السورية والدراما الإماراتية، إلاّ أن الدراما المصرية والتونسية تبدو هي الأقرب إلى الرقم السوري إذ تظهر الأسرة متماسكة في الدراما المصرية بنسبة 10 % وفي التونسية بنسبة 8 %.
الدراما تعمق العنف الأسري
انتقدت دراسة أكاديمية مصرية الدراما التليفزيونية واتهمتها بتكريس الصراع بين الزوجين، وتسبب اغتراباً للشخصية العربية، واتهمت وسائل الإعلام بأنها تشارك في تعميق ظاهرة العنف الأسري، ففي دراسة الدكتورة منال أبو الحسن أستاذ الإعلام بجامعة 6 أكتوبر بعنوان “اكتساب الشباب بعض الفضائل الخلقية من خلال التعرض للأعمال الدرامية وعلاقته ببعض قضايا الأسرة”، وأثبتت الدراسة أن مشاهدة الأعمال الدرامية التي تسبب العنف الأسري عامل مساعد في ظاهرة التفكك الأسري الناتجة غالباً عن التقليد الأعمى للثقافة الداخلية والغزو الثقافي الأجنبي الذي انعكس على الدراما التليفزيونية، وتشير الدراسة إلى أن الحل يأتي مع تعزيز التربية الجيدة والأخلاق والقيم الحميدة، لمواجهتها هذه الدعوات السلبية الغريبة على المجتمع العربي المسلم.
وأشارت الدراسة التي أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن الأسر المفككة ترتفع فيها نسب جرائم العنف الأسري، وأن 87% من مرتكبي هذه الجرائم من المتزوجين مقابل 13% من غير المتزوجين، وأن الذكور يشكلون أغلبية مرتكبي العنف بنسبة تزيد على 78%، بينما تمثل الإناث 22%، وأشارت إلى أن التفكك الأسري أدى إلى غياب المودة واضطراب الصحة النفسية للأسرة.
كما أشارت الدراسة إلى دور وسائل الإعلام في إظهار صورة مستحدثة للعنف الأسري، والتركيز عليها، مثل: عقاب الرجل لزوجته بالزواج بأخرى، أو التهديد بالطلاق، أو الحرمان من نفقات المنزل، أو ضرب الأبناء، أو منع الزوجة من الخروج من المنزل.
ورصدت الدراسة أن هُناك أسباباً للعنف الأسري، منها أسباب اجتماعية، واقتصادية، ونفسية، ووجدانية وأكدت أن التوعية بالعنف الأسرى مسؤولية تقع على عاتق الجميع، ابتداء من المدرسة، ومروراً بالأجهزة المعنية، وانتهاء بوسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المختلفة.
أما بالنسبة للطلاق فأكدت الدراسة أن الدراما الفضائية تعزز الصراع السلطوي بين الزوجين، وتنمي الشعور بالفردية، حيث تبث الفضائيات الأنماط المستوردة الغربية وأغلبها أفكار تتسم بالتفاهة والسطحية، ولا تهدف إلا للمتعة والترفية فقط، وهو ما يؤدي إلى حدوث نوع من الاغتراب للشخصية العربية والتسطيح لعقل المشاهد.