حتفل الناس في مختلف أرجاء العالم الإسلامي بالمولد النبوي الشريف. وقد بدأ التحقق من تاريخ مولد الرسول صلى الله عليه وسلم في القرن الثالث الهجري ( أيام العباسيين ) فرويت أخبار عن فضيلة ليلة المولد وصار الناس يبتهجون بقدومها ولكن بشكل إفرادي. وعندما انتقلت الخلافة إلى الفاطميين (في القرن الرابع الهجري) الذين يعتبرون أنهم حاملو لواء زعامة الإسلام أصبح الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من جملة الاحتفالات الرسمية التي قد صار لها أهمية كبيرة خلال حكمهم, إذ كانت جميع احتفالاتهم تحاط بألوان من البذخ والفخامة قل أن نجدها في عصر آخر من العصور الإسلامية ومن هذه العصور الباذخة مواكب الخلفاء العظيمة ومآدبهم الشهيرة .
ففي ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الأول التي تم الاتفاق على أنها ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم . تفرق الحلوى المصنوعة من أفخر الأصناف على البطانة والمتنفذين ويركب القاضي عصر ذلك اليوم ومعه صحبه إلى جامع الأزهر في القاهرة حيث تقرأ الختمة ثم يذهب الجميع إلى قرب المنظرة التي يجلس الخليفة داخلها فيخطب الخطباء ويقرأ القراء.
وقد أشار المقريزي إلى خمسة موالد أخرى كان الفاطميون يحتفلون بها وهي: مولد الإمام الحسين في الخامس من ربيع الأول , ومولد السيدة فاطمة الزهراء في العشرين من جمادى الآخرة ,ومولد الإمام علي بن أبي طالب في الثالث عشر من رجب , ومولد الإمام الحسن في الخامس عشر من رمضان . وكذلك مولد الإمام الحاضر.
أما في القرن السابع للهجرة فكان أمير أربيل الأيوبي يقيم احتفالات عظيمة بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم فتنصب قباب من الخشب بعدة طبقات إحداها للأمير والباقي للأعيان فتحلى بأجمل الزينات وينحر عدد كبير من الماشية ثم ينزل الأمير من القلعة ليلة المولد يحف به حاملو الشموع والمنشدون, كما تصل الهدايا التي يخلعها على الحاضرين من علية القوم في بقج زاهية الألوان .
يقول عبد الرحمن الجبرتي : إن نابليون بونابرت قد جدد الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم خلال حكمه مصر, إذ كان يتظاهر باحترامه لعقيدة المصرين ولشعائرهم وأن هذا الأمر كان جزءا من التوظيف السياسي للتقرب من الشعب المصري. فقد أصدر إعلانا في إحدى السنين بعد اشتراكه باحتفالات المولد النبوي الشريف وزعه في جميع الأقاليم المصرية قال فيه : (( إنه قد استمع لقصة المولد ثم أقبل على الصلاة يحف به كبار المشايخ وأنه طلب من الجنرال مارمو زيارة نقيب الأشراف وأن يجتمع برجال الدين في القاهرة بهذه المناسبة )) .
يمكن القول: إن ابن دحية الكلبي هو أول من وضع قصة المولد التي سماها
(( التنوير في مولد السراج المنير)), وأعقبه ابن كثير ثم ابن ناصر الدمشقي. وبعد أن انتشرت قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم تقول :
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب على فضة من خط أحسن من كتب
وأن تنهض الأشراف عند سماعه قياما صفوفا أو جثيا على الركب
صار الناس يقومون عند وصول القارئ إلى وضع السيدة آمنة وليدها صلى الله عليه وسلم .
كانت تستمر الاحتفالات في حماة بذكرى المولد الشريف منذ اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول حتى نهايته فتقرأ قصة المولد في المساجد والمنازل وتقام الزينات خلال تلك المدة في البيوت والأحياء وتصب الأقواس على أعمدة من الخشب في أماكن مختلفة من المدينة يعلق عليها السجاد والآيات القرآنية الموضوعة ضمن براوز جميلة , وتنار المصابيح القوية في معظم الأنحاء. وبعد الانتهاء من تلاوة السيرة النبوية الشريفة توزع صرر الملبس على الحاضرين التي يتبرع بها التجار وأهل الإحسان ويرش على الحاضرين ماء الزهر الذي قرئ عليه القرآن وسيرة المولد الشريف . وكان يحتفل في حماة كذلك في الأول من شهر محرم كل عام وهو عيد رأس السنة الهجرية .