أنا فتاة كنت مغنية، وسمعت عن وجوب الحجاب الكامل للمرأة حتى كفيها وعينيها، ولكن صديقاتي أخبرنني أن العلماء اختلفوا، أفيدوني جزاكم الله خيرا
الحمد لله وبعد:
الله – سبحانه وتعالى- نهى عن التبرج فقال: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى" [الأحزاب: من الآية33]، قيل التبرج هو:
(1) التبختر والتكسر
(2) إظهار الزينة وإبراز المرأة محاسنها للرجال.
ومما يفسر المراد بالتبرج قول النبي – صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"، أخرجه مسلم (2128).
وأمر الله – سبحانه- بالحجاب فقال: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً" [الأحزاب:59]، فما هو الجلباب؟
قال ابن كثير: الجلباب بمنزلة الإزار اليوم، وقال القرطبي: الثوب الذي يستر جميع البدن.
وفي صحيح مسلم (890) عن أم عطية قالت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: "لتلبسها أختها من جلبابها"، إذن الجلباب – الإزار – الثوب، والجلباب بالمعنى اللغوي: ما يغطى به ما دون الرأس، وأما ما يغطى به الرأس والصدر والنحر فهو: (الخمار) وقد قال الله تعالى في سورة النور "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ" [النور: من الآية31]، خمرهن: جمع خمار وهو غطاء الرأس، جيوبهن: جمع جيب وهو فتحة العنق.
وما المراد بـ( الإدناء)
قال مجاهد: هو الشد على الجباه،وبنحوه قال سعيد بن جبير وعكرمة وغيرهم.
وأما عن إبداء الزينة: فقد قال الله تعالى: "وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"
[النور: من الآية31]، وقد اختلف أهل العلم في الزينة الظاهرة على أقوال:
(1) هي الثياب الظاهرة، يروى عن ابن مسعود – رضي الله عنه-.
(2) هي الوجه والكحل والخاتم والسواران، يروى عن ابن عباس، وعائشة – رضي الله عنهم-, ومن التابعين سعيد ومجاهد وعطاء.
(3) هي الوجه والثياب، يروى عن الحسن البصري، فصارت الأقوال إلى قولين: الثياب والوجه والكفان.
والقول الثاني هو المشهور عند الجمهور كما يقول ابن كثير، قال ابن جرير: (وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: عني بذلك الوجه والكفان، قال: المرداوي في الإنصاف
(8/27) وهذا الذي لا يسع الناس غيره، خصوصاً للجيران والأقارب غير المحارم الذين نشأ بينهم)، ولكل من القولين استدلالات ليس هذا موضع بسطها، لكن الذي أريد قوله أن الخلاف في هذه المسألة قديم ومعروف ولا يجوز تجاهله، وهو من مسائل الاجتهاد لا من مسائل القطع، كما لا يجوز أن تكون هذه المسألة سبباً للتفرق والخلاف المذموم والحط والتنقص من أقدار العلماء،كما أنبه على أن صواب القول ورجحانه لا يكتسب ذلك من موافقته للعادات والتقاليد، بقي أن نعلم: أنه وحتى على قول القائلين بجواز كشف الوجه واليدين فيجب سترهما عند الفتنة خوفاً أو تحققاً، حيث يكون الستر لأمر خارج وهو الفتنة، كما أن الفقهاء القائلين بوجوب ستر الوجه واليدين يقولون بتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، والأحوال والأشخاص، وبالتالي فإذا كانت المرأة في بلد أو زمن أو حال لا تستطيع ستر وجهها وكفيها لأسباب اجتماعية، أو سياسية، أو أمنية، وتتعرض لأذى أو تفوتها مصلحة أعظم جاز لها كشف الوجه واليدين، وكذلك حال التي ابتليت ووقعت بالسفور والخلاعة و.. تريد أن تتوب ويكون إلزامها بستر وجهها وكفيها مما يعوقها عن التوبة فلا يجوز والحالة هذه إلزامها بذلك، ومن ألزمها بذلك فقد غلط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- (ومن تدبر أصول الشرع علم أنه يتلطف بالناس في التوبة بكل طريق)، وليعلم أن التضييق والتعسير ليس من الفقه في شيء، وما أوقع الناس في الحيل والمحرمات إلا التضييق، ألا ترى أن بعض النساء في بعض المجتمعات تلجأ إلى إظهار العينين الفاتنتين ممن لو رأيت وجهها لوليت مدبراً ولم تعقب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (لقد تأملت غالب ما أوقع الناس في الحيل فوجدته شيئين:إما ذنوب جوزوا عليها بتضييق في أمورهم فلم يستطيعوا دفع هذا الضيق إلا بالحيل فلم تزدهم الحيل إلا بلاء..وإما مبالغة في التشديد لما اعتقدوه من تحريم الشارع فاضطرهم هذا الاعتقاد إلى الاستحلال بالحيل، وهذا من خطأ الاجتهاد)، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه