وروى أيضا بسنده عن علي كرم الله وجهه قال: "من سأل لرسول الله صلى الله عليه وسلم الدرجة والوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة ومن زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فهذه المجموعة من الأحاديث هي بعض الأحاديث التي رويت في طلب الزيارة. وأحاديث الزيارة مع كثرتها وتعدد طرقها يقوي بعضها بعضا كما ذكره الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي 6/140 عن الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى. خصوصا وأن بعض العلماء من المشتغلين بعلوم الحديث ـ دراية ورواية ـ قد صححها وبعضهم نقل تصحيحها. كالإمام تقي الدين السبكي وابن السكن والبزار والحافظ والعراقي وابن حجر والقاضي عياض في الشفا والملا على قاري شارحه وشهاب الخفاجي في نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض وغيرهم. وهؤلاء من حافظ الحديث ومن الأئمة المعتمدين. وقد ظلم ابن تيميه وابن عبد الهادي نفسيهما عندما ردا هذه الأحاديث.
هذا وقد أفرد الأئمة الأربعة ـ مالك وأبو حنيفة والشافعي واحمد ـ واتباعهم من فحول العلماء والمحققين وكذا أئمة الفقه الشيعي. بابا في كتب الفقه والمناسك في مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والسلام عليه والدعاء عنده. وهذا كاف منهم في تصحيح أحاديث الزيارة إذ أنه من المقرر عند الأصوليين: أن الحديث الضعيف يتأيد بالعمل والفتوى. فما كتبه الأئمة الأربعة وغيرهم عن الزيارة وذكرهم للأحاديث الواردة. فهذا كله يؤيد صحة القول بصحة هذه الأحاديث وأن الزيارة مشروعة. بشرط أن تتم في حدود الآداب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السلام عليه والوقوف أمامه وطلب الدعاء لله عز وجل عنده وإخلاص النية واعتبار هذا العمل خالصا لوجه الله تعالى وأداء لبعض حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم. عليه ولم يرد القول باستحباب الزيارة وندب السفر من أجلها إلا كل مكابر أو معاند أو جاهل بمقاصد الشريعة الإسلامية وسيئ الخلق مع الحضرة المحمدية المصطفوية.
1. زيارة النبي صلى الله عليه وسلم فضل من الله تعالى
يظفر: قاصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم بنعم كثيرة وفضائل عديدة بإحسان من الله تعالى وفضله. وثمرة الزيارة يحصل عليها الزائر من طريقين:
(أ) ـ الطريق الأول: الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والاعتكاف به والاشتغال بذكر الله تعالى فيه والتمتع بالصلاة فيه وتلاوة القرآن والذكر في الروضة الشريفة وتلك أمور يضاعف الله فيها الأجر ويزيد فيها الثواب أكثر مما لو حصلت في مسجد آخر سوى المسجد الحرام بمكة فإن الأجر فيه مضاعف أضعافا كثيرة.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام"
ورويا عن عبد الله بن زيد المأزني رضي الله عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"
ورويا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي"
(ب) ـ الطريق الثاني: التمتع بلا حدود بشرف الوقوف أمام حضرة النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة والتسليم عليه وعلى صاحبيه: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. والشعور الحقيقي بسعادة روحية هائلة. وكذا الشعور بالهيبة والمذلة لذي العظمة والجلال عز وجل في حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ليكون له من الشاهدين. فيهتف القلب بحب ذي الجلال والإكرام وحب حبيبه صلى الله عليه وسلم فيرفع أكف الضراعة والابتهال لله تعالى بالدعاء والاستغفار وطلب العفو والمغفرة. ثم يطلب في حياء العابدين وأدب المريدين شفاعة الحبيب صلى الله عليه وسلم له في يوم العرض على الله تعالى. وهو أمر محقق بوعد المصطفى صلى الله عليه وسلم لزائريه فهناك يقف المسلم في خشوع الصالحين وأدب المريدين. ويكاد قلبه يخرج من جسده حبا وحياء لما يحسه من الفرحة والبشر والسرور ولما يدركه ويلحظه من الأنوار المحمدية البهية. ولما يتنسمه من عبير العطر المحمدي الوافر. ولما يراه من فضل الله تعالى الذي وفقه وهداه لنيل شرف الوقوف أمام رسول رب العالمين صلوات الله وسلامه عليه. فيكلمه مصليا ومسلما ويرجوه شفاعة وحنانا. ويتوسل به إلى ربه رجاء يتمنى به غفران الذنوب وستر العيوب والنجاة من نار الجحيم.
فزيارته صلى الله عليه وسلم في قبره سلوى وبشرى للمؤمنين بفضل الله تعالى في حياة الإنسان وعند موته وفي بعثه وحشره وعلى صراطه وعند ميزانه. طبت حيا وميتا يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك وملائكته والمؤمنون صلاة ترضى ربنا عز وجل وترضيك وترضى بها عنا يا ذا الخلق العظيم صلى الله عليه وآله وسلم.
روى أبو داود في سنته عن أبي هريرة رضي الله عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام"
فأي شرف يحصله المؤمن أعظم من تبادل السلام بينه وبين سيد العالمين إنه صلوات الله وسلامه عليه حي في قبره يسمع سلام من يسلم عليه. فيرد عليه السلام يؤمن على دعاء الداعين وابتهال المبتهلين. اللهم متعنا بزيارته والوقوف في حضرته. يقول الإمام تقي الدين السبكي رضي الله عنه:
وأعلم أن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم على نوعين:
أحدهما: المقصود به الدعاء. كقولنا: صلى الله عليه وسلم. فهذا دعاء منا له بالصلاة والتسليم من الله تعالى. ويقال للعبد: مسلم. بدعائه بالسلام. كما يقال: مصل. إذا دعا بالصلاة. قال الله تعالى:
{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }
وسئل صلى الله عليه وسلم ـ كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ـ قيل: قد عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم"
قال العلماء معناه: كما قد علمتم في التشهيد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته والنوع الثاني: ما يقصد به التحية كسلام الزائر إذا وصل إلى حضرته الشريفة عليه صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته. وهذا غير مختص. بل هو عام لجميع المسلمين ولهذا كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يأتي إلى القبر ويقول "السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه". ورد عنه بلفظ الخطاب وبلفظ الغيبة.
إذا عرف هذان النوعان. فالنوع الثاني. لاشك في استدعائه للرد فإن النبي صلى الله عليه وسلم يرد على المسلم عليه. كما اقتضاه الحديث. سواء أوصل بنفسه إلى القبر أم أرسل رسولا كما كان عمر بن عبد العزيز يرسل البريد من الشام إلى المدينة ليسلم له على النبىصلى الله عليه وسلم