السلام عليكم
نظرا لِمَا للشعر من أهمية ودور بارز في الحضور الإنساني، بمختلف بيئاته، وأزمنته، وفكره، وتوجهاته، فقد أُولي عناية خاصة واهتماما كبيرا من لدن كثير من الحضارات، ومن أهمها الحضارة الإسلامية ولسانها العربي خاصة. ومما يدلل على هذا الاهتمام، عنايتهم بمختلف توجهاتهم ومشاربهم وثقافاتهم - قديما وحديثا - في تعريف الشعر، فهنالك من نظر إليه من حيث ألفاظه ونظمه، والبعض من حيث جرسه وقافيته، وآخر أهتم بمعانيه وتراكيبه، و ركَّز البعض على تأثيره وسحره، وآخرون اهتموا ببيانه وقيمته، ومنهم من ربطه بالعاطفة والأحاسيس وخلجات النفس.. الخ.
وسنحاول أن نأتي ببعض هذه النظرات في شذرات تَّجلي هذا المفهوم الذي لم يخل من فلسفات ومبالغات سنضرب عنها صفحا، مركزين ذلك على النحو الآتي:
معنى الشعر: تعددت وجوه استعمال لفظة " الشعر" الذي جمعه " أشعار" في اللغة، فمن ذلك أنه العلم، والفطنة، والإدراك، والاطلاع، والإعلام، والدراية .. ،"وقائلُه شاعِرٌ لأَنه يَشْعُرُ ما لا يَشْعُرُ غيره أَي يعلم" ، وسمِّي الشَّاعر شاعراً" لأنه يفطِن لما لا يفطن لـه غيرُهُ. قالوا: والدليل على ذلك قولُ عنترة:
هل غادَرَ الشُّعراءُ من مُتَرَدَّمِ * أم هل عَرَفْتَ الدَّارَ بَعد توهُّم
يقول: إنَّ الشّعراء لم يغادِرُوا شيئاً إلاّ فطِنُوا لـه".
= وبتعدد هذه المعاني وتقاربها في اللغة تعدد مدلول " الشعر" في الاستعمال الاصطلاحي،" واتخذ المفاهيم التي تناسبه في التخصص العلمي المستعمل فيه".
فالشعر عند علماء اللغة والأدب:هو كلام موزون مقفي يدل علي معنى فإن بيتاً من الشعر مثل:
عجبٌ عجبٌ عجبٌ عجبُ * بقر تمشي ولهـا ذنبُ
أو مثل :
كأننا والماء من حولـنا * قوم جلوسٌ حولهم ماءُ
فهذا كلام موزون مقفى ولكن ليس له معني ذا قيمة، إذ يُشترط حضور المعنى المُفيد إلى جانب الوزن والقافية ليعتبر الكلام المنظوم شعرا .
وعرَّفه الشريف الجرجاني5 بقوله : " كلام مقفًى موزون على سبيل القصد" ، والقيد الأخير يخرج نحو قوله تعالى{الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ*وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }أو{ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ، أو قول الرسول :
أنا النبـي لا كـذب * أنا بن عبـد المطلـب .
وقيل"إنَّ بعض الناس كَتَبَ في عُنوان كتاب: للإمام المسيِّب بن زُهَيْرٍ / من عِقَالِ بن شَبَّة بن عِقال؛ فاستوى هذا في الوزن الذي يُسمى الخفيف ولعل الكاتب لـم يقصِد بـه شعراً ".
فكل ذلك كلام مقفًى موزون، لكن ليس بشعر، لأن الإتيان به موزوناً ليس على سبيل القصد.
وربط الجاحظ الشعر بفن التصوير في قوله" فإنما الشعر صناعةٌ، وضَرْب من النَّسج، وجنسٌ من التَّصوير" ولعله متأثر في ذلك بالفكر والأدب اليوناني الذي يعتبر الشعر كالرسم كما قال هوراس.
واعتبره البارودي " لمعة خيالية يتألق وميضها في سماوة الفكر فتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب، فيفيض بلألائها نورا يتصل خيطه بأسلة اللسان، فينبعث بألوان من الحكمة ينبلج بها الحالك، ويهتدي بدليلها السالك ...".
ويُعَرِّفُ الشعراءُ الشعرَ بمعان عدة، إذ يقول شوقي:
والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة * أو حكمة فهو تقطيع وأوزان
فالشعر عند شوقي يقوم على ثلاث ركائز(الذكرى) و(العاطفة) و(الحكمة) .
أما الزهاويفيقول:
والشعر ما اهتزّ منه روح سامعه * كمن تكهرب من سلك على غفل
و قال أمين نخلة :
أنا لو سئلت لقلت في تعريفه * طرب يهزك كالغناء الصاخب
فنجد الزهاوي ونخلة، يربطان الشعر بالشعور الوجداني، وما يختلج في القلب من مشاعر وعواطف وأحاسيس .
ولو مضينا إلى علماء التاريخ، وجدنا النقد اللاذع من ابن خلدون لتعريف المتقدمين، وأن حقيقة الشعر وحدَّه يجب أن تجري وفق بلاغة وأساليب العرب، ويكون:" الشعر هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي، مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به".
وإذا توقفنا هنيهة عند المفسرين وجدنا اهتماما كبيراً وبحرا خضما ًمن التعريفات، ونكتفي-من المتقدمين- بما أورده أبو حيان (ت654هـ) في بحره المحيط بقوله:" هو كلام موزون مقفى، يدل على معنى تنتخبه الشعراء من كثرة التخييل وتزويق الكلام" .
وإذا استأنسنا– من المتأخرين- بسيد قطب ( ت1966هـ)في ظلاله، وأسلوبه الفني، وملكته الأدبية، ودرايته النفسية، وجدناه يعرفه عند مقارنته بالنبوة، بقوله:"الشعر انفـعال. وتعـبير عن هذا الانفعال. والانفعال يتقلب من حال إلى حال" .
فالشعر لدى قطب حالة نفسية، تنفث همومها ومشاعرها، وأحزانها وأتراحها وأفراحها، سعادة وغضبا، بؤسا وشقاء، سرورا وغبطة، سموا وارتقاء، وكل تناقضات الشخصية البشرية بحسب حالتها النفسية حينها .
وأدلى الفلاسفة بدلوهم، فحرص ابن سيناء (على تقديم تعريف بقوله: " الشعر كلام مُخيل مُؤلف من أقوال ذوات إيقاعات متفقة، متساوية، متكررة على وزنها، متشابهة حروف الخواتيم " )
أمَّا علماء المنطق فقد عرَّفوه بأنه:" الصناعة التي بها يقدر الإنسان على تخييل الأمور التي تبينت ببراهين يقينية في الصنائع النظرية، والقدرة على محاكاتها بمثيلاتها.
ومن مُجْمَلِ ما سبق ولمَّا كان الشعر هو العلم والتاريخ، نجد أن الوزن والقافية هما ركيزة النظم وأُسِّه، ولا شك أن الإيقاع الموسيقي الناتج عنهما هو ما يعطي للشعر خصوصيته، ويمنحه لذته وجماله المتميز، يضاف إليه الاهتمام بالمعنى، والقصد، ثم التصوير، والتخييل، وجودة اللفظ، والعاطفة، والفطنة، والمعرفة، والبيان والحكمة، والتأثير والانفعال وغيره، كلها داخلة في صميم الشعر .
وعليه يمكن أن نخلص إلى تعريف موجز هو من أمثل ما عُرِّفَ به الشعر بقولهم إنه: " الكلام الموزون المُقَفَّى المقصودُ الذي يُصوِّرُ العاطفة "
:study: تحيـــــــــــــ fati ـــــــــات :study: