بعد غيابٍ امتدَّ ثلاثةَ عقودٍ لقائدِ الأمَّة العربية بل والإسلامية، عاد الماردُ المصري يطلُّ علينا من جديدٍ بقوة وإرادةٍ فولاذية؛ ليرسمَ من جديدٍ خارطةً لسياساتٍ تصبُّ في الصَّالح العام لهذه الأمَّةِ، التي نهشَ من لحمِها الأعداءُ وتكالبتْ عليها الأممُ، فمزقتْها ونهبتْ خيراتِها وأضعفتِ مقدَّراتِها وسلبتْ قرارَها، حتَّى باتتْ رهينةً لسياساتٍ غربية وإسرائيلية، حتَّى ظننَّا أنَّها أصبحتْ في عِدادِ الأموات.
أنظمةٌ فاسدة متخاذِلة كان بقاؤها في سدَّةِ الحكمِ شغلها الشَّاغل وهدفها الأسمى، وإن كان على حسابِ دماءِ شعبِها وشعوبِ الوطنِ بأسرِه، حكمت شعوبَها بالنَّارِ والحديد بأجهزتِها الأمنية، التي وظَّفتْها لقمعِ الشَّعب وتكميم الأفواه؛ ليبقى الحاكمُ بأمرِه في أمنٍ وأمان لبقاءِ حكمِه وتوريثِه على مدى العقود القادمة، دون التفاتِه إلى مصالحِ أمَّةٍ باتتْ مشتتةً ومقيدة باتفاقياتٍ فرضها الأعداءُ، كبلتْنا وألجمتنا حتَّى عن المطالبةِ بحقوقِنا، أو الاستفادةِ من خيرات بلادِنا.
تقاتلْنا وسفكنا دماءَ بعضِنا، تطاولَ علينا الغربُ والشَّرقُ فاحتلَّ أرضَنا، وأعاد تقسيمَ المقسَّم وتجزئةَ المجزَّأ؛ ليزيدَ من ضعفِنا ويقضي على أيِّ أملٍ في توحُّدِنا، لكنَّ الطَّاغيةَ استهان بإرادةِ الشُّعوبِ وقدرتِها على تغيير التَّاريخِ، وقلب الطَّاولة على رؤوس هؤلاء الطُّغاة، فقالت الشُّعوبُ كلمتَها فسقط الطَّاغوتُ في أيامٍ معدودةٍ أرعبتِ الأعداءَ من ماردٍ قد استفاق من ثُباتٍ قد طال، ظنُّوا أنَّه قد مات وارتضى لنفسِه الحياةَ بتابوتٍ مغلق، عاد الشَّعبُ المصري ليقولَ كلمةَ حقٍّ ويقضي على ظلمٍ قد طال مداه، فجاءتْ قيادةٌ مصرية ارتضاها الشَّعبُ لتُعيدَ زمامَ المبادرة وترسمَ معالِمَ سياسةٍ جديدة، في وطنٍ قد اشتاق لقائدٍ يعيدُ لنا الكرامةَ والعزَّةَ التي طالما افتقدناها.
بدأتْ هذه القيادةُ بالعملِ سريعًا في تنظيمِ صفوفها فما تركت طواغيتَ الأمس إلا وهم في السُّجونِ؛ ليدفعوا ثمنَ ما اقترفتْه أيديهم من جرائمَ بحقِّ شعبِهم، بل وشعوب المنطقةِ بأسرِها، ومضتْ في إصلاحاتٍ من شأنِها الحفاظ على الوطنِ وحقِّ المواطن، في خيراتٍ كانت تُنهَبُ بلا حسيبٍ أو رقيب.
وخارجيًّا سارتْ مسرعةً في ترتيبِ البيتِ الفلسطيني، فكانت المصالحة التاريخية، التي كانت في عهدِ الطَّاغيةِ ورقةً يتلاعَبُ بها لصالحِ محتَلٍّ، ولرغبةٍ أمريكية كان يحجُّ إلى بيتِها الأسودِ في كلِّ ولايةٍ لرئيسٍ جديد؛ ليبايعَها ويثبتَ أهليتَه لطاعتِها العمياء مقابلَ حمايةٍ وصمتٍ على بقائه، ليقدِّمَ أبناءَ شعبِه وكل الشُّعوبِ المستضعَفة قربانًا لإدارتِها.
حصار تعاونَ في فرضِه على قطاع غزَّة، فمنع عنهم الغذاءَ والدَّواءَ وأوصد عليهم بواباتِ معتقلٍ كبير ليُبقي مليونًا ونصفَ المليون من العربِ المسلمين فريسةً للجوعِ والمرض والموتِ، ولم يكتفِ بهذا فقد قبلَ على نفسِه أن تعلنَ وزيرةُ خارجيةِ العدوِّ الإسرائيلي من مصر عن حربٍ شنَّها الاحتلالُ ضدَّ شعبٍ أعزل، استمرَّتْ ما يزيدُ على عشرين يومًا، ألقت خلالَها مئاتِ الألوف من الأطنانِ المتفجِّرة فوقَ رؤوس أبناء الشَّعبِ الفلسطيني، وأحكمتْ إغلاقَ معبرِ رفح ليُحاصِرَ الْمحَاصرين، ولا يترك لهم فرصةَ نجاةٍ من موت محتم.
اليوم عادتْ قيادةُ الشَّعبِ المصري لاحتضانِ الفلسطينيين، فبدأتْ بمصالحتِهم التي طالما ظننَّا أنَّها لن تتمَّ يومًا، ولوَّحتْ للعدوِّ بأنَّ غزةَ لن تبقى تحتَ الحصارِ، ولن يكونَ هناك صمتٌ بعد اليوم على انتهاكِها وقتلِ أبنائها، وأرسلتْ برسائلِها لكلِّ من لا يزال يتمرَّغُ بحمايةِ المحتلِّ أن لا مكانَ بعد اليومِ للاصطفاف مع فريقٍ على حسابِ الآخر، وأنَّ المصلحةَ الفلسطينية هي مصلحةٌ مصرية وقومية، وعلى الجميعِ الإذعانُ لصوتِ العقلِ، ولن يكونَ هناك محاباةٌ على حسابِ الشَّعبِ الفلسطيني لنصرةِ فريقٍ، أو حسب الأهواء الإسرائيلية وإرادتِها.
عاد الماردُ المصريُّ ليقودَ المبادرةَ ويعيدَ النِّصابَ لميزانٍ قد اختلَّ زمنًا طويلاً، ليعيدَ للوطنِ العربي هيبتَه وإرادتَه وقرارَه الوطني، بعيدًا عن إملاءاتٍ كانت تُفرضُ من هنا وهناك، لتتوازنَ مع مصالحِ الغربِ على حسابِ الصَّالح الوطني العام.
طال غيابُ هذا الماردِ لكنَّه لم يمتْ، وعاد من جديدٍ ليلوحَ لكلِّ من لديه أطماعٌ في استمرارِ نهبِ هذا الوطنِ وإسقاطِه في شباك التبعية ليبقى رهنَ إشارةِ الأعداءِ؛ في تنفيذِ رغباتِهم ومعاونتِهم على نهبِ ثرواتِ البلاد العربية واحدةً تِلْوَ الأخرى، دون أنْ يقفَ في وجههم قائدٌ يقول لهم: كفى فلن يكونَ بعد اليومِ حقٌّ يضيعُ، ولا وطنٌ يُحتلُّ، ولا شعبٌ يُحاصَر.
فهل بدأ الماردُ المصري بالعودةِ الفعليةِ إلى قيادةِ الأمَّة العربية والإسلامية من جديد؟
المصدر موقع الالوكة