حكم خطبة الجمعة
اختلف أهل العلم في حكم خطبة الجمعة هل هي واجبة أم لا ؟ على قولين :
[عدل] القول الأول
قالوا : إن الخطبة شرط لصحة الجمعة، فلابد أن تتقدمها. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد[1]. وبه قال عطاء، والنخعي، وقتادة، والثوري، وإسحاق، وأبو ثور[2]. قال القاضي عياض : وهو قول كافة العلماء[3]
[عدل] القول الثاني
قالوا : إن الخطبة ليست شرطاً، فلو لم يتقدم الصلاة خطبة فالصلاة صحيحة وتعد جمعة. وهذا القول قال به الحسن البصري، وداود الظاهري، والجويني، وابن الماجشون من المالكية[4]، وذكر القاضي عياض أنه رواية عن مالك أيضاً[3]
[عدل] أول خطبة جمعة
أوّل خطبة جمعة خطبها رسول الإسلام في المدينة المنوّره في بداية هجرته إليها، ولم يخطب الجمعة في مكّة قبل الهجرة.
الخطبة الأولى
«الحمد لله أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأُعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلّة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنوّ من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضلّ ضلالاً بعيداً.
أُوصيكم بتقوى الله، فإنّه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة، وأنّ يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذّركم الله من نفسه، وإنّ تقوى الله لمن عمل بها على وجل ومخافة من ربّه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلاّ وجه الله، يكن له ذكراً في عاجل أمره، وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدّم، وما كان من سوى ذلك يودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً، ويحذّركم الله نفسه، والله رؤوف بالعباد.
والذي صدّق قوله ونجّز وعده لا خلف لذلك فإنّه يقول (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)، فاتّقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السر والعلاني، فإنّه من يتّق الله يكفّر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً، ومن يتّق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، وإنّ تقوى الله توقّي مقته، وتوقّي عقوبته، وتوقّي سخطه، وإنّ تقوى الله تبيّض الوجوه، وترضي الرب، وترفع الدرجة.
خذوا بحظكم، ولا تفرّطوا في جنب الله، فقد علّمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله اليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حقّ جهاده، هو إجتباكم وسمّاكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيّ عن بينة، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنّ من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأنّ الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.»
الخطبة الثانية
«إنّ الحمد لله أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، إنّ أحسن الحديث كتاب الله تبارك والله، قد أفلح من زيّنه الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، وإختاره على ما سواه من أحاديث الناس، إنّه أحسن الحديث وأبلغه.
أحبّوا ما أحبّ الله، أحبوا الله من كل قلوبكم، ولا تملّوا كلام الله وذكرَه، ولا تَقْسُ عنه قلوبكم، فإنّه من كلِّ ما يخلق الله يختار ويصطفى، قد سمّاه الله خِيرتَه من الأعمال، ومصطفاه من العباد، والصالَح من الحديث، ومن كلّ ما أُوتي الناس من الحلال والحرام، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وإتقوه حقّ تقاته، وأصدُقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابّوا بروح الله بينكم إنّ الله يغضب ان يُنكَث عهده، والسلام عليكم.»