قال أهل الكتاب : إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة . وأن الله بشره بذلك ، وأنه لما كان لإبراهيم ببلاد بيت المقدس عشرون سنة قالت سارة لإبراهيم عليه السلام : إن الرب قد أحرمني الولد ، فادخل على أمتي هذه لعل اله يرزقك منها ولداً .
فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام ، فحين دخل بها حملت منه . قالوا : فلما حملت ارتفعت نفسها وتعاظمت على سيدتها ، فغارت منها سارة فشكت ذلك إلى إبراهيم ، فقال لها : افعلي بها ما شئت ، فخافت هاجر فهربت فنزلت عند عين هناك . فقال لها ملك من الملائكة : لا تخافي فإن الله جاعل من هذا الغلام الذي حملت خيراً وأمرها بالرجوع وبشرها أنها ستلد ابناً وتسميه إسماعيل ، ويكون وحش الناس ، يده على الكل ، ويد الكل به ، ويملك جميع بلاد إخوته . فشكرت الله عز وجل على ذلك .
وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده محمد صلوات الله وسلامه عليه ، فإن الذي به سادت العرب ، وملكت جميع البلاد غرباً وشرقاً ، وآتاها الله من العلم النافع ، والعمل الصالح ما لم يؤت أمة من الأمم قبلهم ، وما ذاك إلا بشرف رسولها على سائر الرسل . وبركة رسالته ويمن سفارته وكماله فيما جاء به ، وعموم بعثته لجميع أهل الأرض .
ولما رجعت هاجر وضعت إسماعيل عليه السلام .
قالوا : وولدته وإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة ، قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة .
ولما ولد إسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة ، فخر لله ساجداً ، وقال له : قد استجبت لك في إسماعيل وباركت عليه وكثرته ونميته جداً كثيراً ، ويولد له اثنا عشر عظيماً ، وأجعله رئيساً لشعب عظيم .
وهذه أيضاً بشارة بهذه الأمة العظيمة ، وهؤلاء الإثنا عشر عظيماً هم الخلفاء الراشدون الإثنا عشر ، المبشر بهم في حديث عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يكون اثنا عشرة أميراً " ثم قال كلمة لم أفهمها ، فسألت أبي : ما قال ؟ قال : " كلهم من قريش " . أخرجاه في الصحيحين .
وفي رواية : " لا يزال هذا الأمر قائماً - وفي رواية : عزيزاً - حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " .
فهؤلاء منهم الأئمة الأربعة : أبو بكر وعثمان وعلي : ومنهم عمر بن عبد العزيز أيضاً . ومنهم بعض بني العباس . وليس المراد أنهم يكونوا اثنى عشر نسقاً بل لا بد من وجودهم .
وليس المراد الأئمة الإثنى عشر الذين يعتقد فيهم الرافضة . الذي أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المنتظر بسرداب سامرا - وهو محمد الحسن العسكري فيما يزعمون - فإن أولئك لم يكن فيهم أنفع من علي وابنه الحسن بن علي ، حين ترك القتال وسلم الأمر لمعاوية ، وأخمد نار الفتنة وسكن رحى الحرب بين المسلمين ، والباقون من جملة الرعايا لم يكن لهم حكم على الأمة في أمر من الأمور . وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا . فذاك هوس في الرؤس ، وهذيان في النفوس ، لا حقيقة له ولا عين ولا أثر .
* * *
والمقصود أن هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل ، اشتدت غيرة سارة منها ، وطلبت من الخليل أن يغيب عن وجهها عنها ، فذهب بها وبولدها ، فساد بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم . ويقال إن ولدها كان إذ ذاك رضيعاً .
فلما تركهما هناك وولى ظهره قامت إليه هاجر وتعلقت بثيابه ، وقالت : يا إبراهيم . . أين تذهب وتدعنا هاهنا وليس معنا ما يكفينا ؟ فلم يجبها ، فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها قالت له : آلله أمرك بهذا ؟ قالت : نعم . قالت : فإذن لا يضيعنا ! .
· * *
اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي