أن تتزوج الفتاة رجلاً يكبرها سناً أمر متفق عليه لا بل قاعدة أساسية تتبعها غالبية المجتمعات. لكن أن يُغرم شاب بفتاة أكبر منه سناً فظاهرة غريبة رغم انتشارها، تلقى استغراباً كبيراً يرتسم على وجوه من يسمعون الخبر الصاعق.
يشاع ان الحب عظيم لا يقوى أحد على الوقوف في وجهه. لا يعرف عمراً ولا ديناً ولا لوناً.
يقال ان الحب أعمى يعصب عيون الحبيبين بغطاء من حرير ناعم يجمعهما بقوة بحيث يصعب الفصل بينهما. أقوال وشهادات وتجارب حلوة ومرّة في هذا المجال الواسع المغري الذي يسخّر أسهم كبيوبيد الحادة لتصيب أقوى المخلوقات وأضعفها، إصابة أبدية لا تُداوى إلا بالاقتران بالحبيب واستكمال مسيرة الحب جنباً الى جنب.
وما ذنب الشاب ان أصابه السهم مباشرة في القلب فأوقعه في غرام امرأة أكبر منه سناً؟ هل يعضّ على الجرح ويمضي متناسياً الداء أو يتمسك بالحبيبة ويشفي القلب بجرعة حب وحنان؟
المسألة صعبة أما الخيار فأكثر صعوبة. إمّا أن يقتلع السهم من الأعماق مديراً ظهره للحبيبة فينزف قلبه حتى يجفّ أو يستقبل السهم برحابة صدر ليألفه جاعلاً من الحبيبة زوجة ومن نفسه ضحية لانتقادات لاذعة من مجتمع قاس لم يعتد بعد على هذه الظاهرة العجيبة الغريبة.
حب وقناعة
أسباب كثيرة تمهّد الطريق أمام الشاب للتفكير في الاقتران بامرأة تكبره سنا. لعل أهمها عامل الحب الذي من أجله ضحّى كثيرون مقاومين الأسباب المادية والعقائدية والمذهبية وسواها من العوائق حتى باتت حجة العمر سخيفة مقارنة مع عظمة الحجج الأخرى.
كم يصعب أن نأمر القلب بأن يحب وكم يسهل في المقابل أن يأمرك القلب بالخضوع لامرأة تؤجج المشاعر والأحاسيس فيعجز المرء عن مقاومتها. في حال كان الشاب قليل الخبرة لم يذق بعد طعم الحب يسهل وقوعه فريسة لأول امرأة تشعره بالحنان. يتناسى هاجس العمر فيرى في الحبيبة صورة عن أمه ويسعى لا شعوريا الى التمسّك بها إحساساً بالدفء وعودة الى احضان والدة غمرته بالعطف المفرط بحيث افتقد حنانها إثر ابتعاده عنها أو تعويضاً عن حرمان لطالما عاناه في طفولته. يسعى الى سد هذه الثغرة في طفولته من خلال اشباع تعطشه للحب وللحنان.
يساهم عامل العمر في تكوين شخصية قوية وناضجة في آن لدى المرأة تمكنها من مواجهة الصعوبات بصرامة. يزوّدها عمرها بخبرات متعددة تلفت الشاب الذي يئس من غنج الشابات غير المسؤولات فينجذب الى نقيضهنّ من نساء ذقن الحلو والمرّ وتخطّين أسوأ المراحل. تتكون آنذاك صورة عن المرأة القوية القادرة على الإمساك بزمام الأمور والجديرة بإدارة البيت وتربية الأولاد.
مصلحة شخصية
يلاحق الشاب أحيانا المصلحة الشخصية. يتملكه دافع مادّي فيوهم المرأة بالغرام والدلال رغبةً منه في السيطرة على ثروتها أو الإتكال على وظيفتها خاصة في حال كانت ذات مكانة اجتماعية مرموقة فيسعى جاهداً الى الاقتران بالمال عن طريق الزواج منها. قد يكون السبب بسيطاً عبر انسجام الحبيبين والعثور على نقاط مشتركة فتنشأ بينهما صداقة مثلى وتعلّق زائد، مهما حاول أي من الطرفين الابتعاد يجد كلاهما صعوبة بالاتفاق مع أي شريك آخر فيجتازان عائق العمر ويقرّران تحدي المجتمع وإرضاء رغبتهما بالزواج.
• رامي (في السابعة والعشرين) متزوج من ندى التي تكبره بأربع سنوات، تعرّف اليها في شركة اتصالات حيث يعملان معاً. نشأت بينهما صداقة قوية استمرت عامين. كانا يرفضان الاعتراف بالحب الذي جمعهما مكتفيين بالصداقة الحميمة التي قربتهما أكثر فاكثر الى حين اكتشفا أن العلاقة تخطّت حدود الصداقة متحوّلة مع الوقت الى رابط أقوى فاستسلما الى الواقع وتزوجا.
يروي رامي أنه وقع في حب زوجته من النظرة الأولى وازداد حبه لها مع اكتشاف شخصيتها القوية وثقتها في نفسها، لكنه رفض البوح بمشاعره خوفاً من رد فعلها وهرباً من انتقادات أهله وأصدقائه. عمد الى الخروج مع شابات كثيرات لكنه لم يشعر مع أي منهنّ بالشعور الذي حرّكته فيه ندى. يبرّر أن حبه لها كان أقوى من كلام الناس ولم يقوَ أحد على تغيير رأيه بها بل قام هو بتغيير نظرة أمه الى حبيبته. نجح في جعل الوالدة تتقبل كنّة تفوق ابنها سناً. يؤكد رامي أن فارق العمر لا يهدّد الزواج ان كان الزوجان متفقين ويتبادلان الحب والثقة والاحترام. يعترف بأنه يتمنى لو كان أكبر سناً من زوجته ليقيها الانتقادات والنظرات البشعة التي ترمقها بها عيون بعض الحسّاد.
غيرة وشجارات
رغم انتشار هذه الظاهرة في مختلف المجتمعات الا ان انعكاسات سلبية كثيرة تظهر بعد مرور أعوام على الزواج، أبرزها الطلاق اذ تكثر المشاكل الزوجية التي تنتهي بانفصال الزوجين، منها غيرة المرأة وشكوكها المتزايدة وخوفها من فقدان زوجها لنساء أصغر سناً وخضوع الزوج للانتقادات وعدم قدرته على التحمّل والانجذاب الى شابات يافعات وعدم الاكتفاء بالعلاقة مع زوجته. تكثر الشجارات لا سيما في حال كان أي من الاثنين قوي الشخصية لا يتنازل عن حقة. يتمنى الزوج آنذاك لو اقترن بشابة يمكنه ترويضها ولعب دور الآمر الناهي في المنزل.
• عماد (رجل طلّق زوجته حديثاً بعد مرور أقل من سنتين من زواجهما). كان فارق العمر ملحوظاً بين الزوجين اذ تكبره طليقته بسبعة أعوام. على عكس رامي لم يتردد عماد في التودّد الى نسرين وطلب يدها متجاهلاً رفض والديه القاطع لهذه العلاقة، الا انه دفع الثمن غالياً بعد أشهر قليلة من الزواج اذ كثرت الشجارات وتفاقمت المشاكل الى درجة لم يعد يتحمّل أحدهما الآخر ما أدّى الى الطلاق.
يلوم عماد نفسه لما آلت اليه الأمور اذ تسّرع في الزواج من دون التفكير الجدي بالعواقب لا سيّما أن والديه عارضا بشدّة علاقته مع امرأة مطلّقة تكبره سنّاً. من المشاكل التي عاناها الزوجان «وضوح العمر» على ملامح وجه نسرين الى درجة ان كثيرين كانوا اعتبروها شقيقته الكبرى. رغم اقتناعه بحبه لها وتقديره لشخصيتها الناضجة لا سيّما إثر تجربتها الفاشلة من زواجها الأول تحدّى عماد الانتقادات كلّها. أمّا نسرين فلم تتحمّل كره حماتها لها ونظرات الناس إليها وإلى زوجها نظرة ظالمة فتملّكها الشعور بالذنب والشكّ المتواصل في أن زوجها ينظر الى الشابات بإعجاب وإليها بازدراء ما أثار شعلة الغيرة التي أحرقت الحب والتفاهم بينهما الى حين أخمدها رماد الطلاق.
يرى عماد ان فارق العمر لم يكن السبب الوحيد لإبطال زواجهما اذ ساهم التسرّع في الارتباط من دون التعرف الدقيق الى مزايا الشريك في تشويه المشاعر الغرامية الجميلة التي جمعتهما.
البحث عن النصف الآخر مهمّة يسعى الجميع وراءها. لن يشكل فارق العمر عائقاً في حال كان الحب عظيماً والسعادة الزوجية لن تقاس وفق معيار العمر، إلا ان عالمنا الشرقي المحكوم بمعايير محددة نَصَّ شروطاً لاختيار شريك الحياة ومن الصعب التمرّد عليها وقهرها.