..
رسائلُ الغائبة
كلُّ إهداءٍ ..لها بالطبع !
..
كتَبَتْ :
(1)
سينتقلُ الغريبُ... إلى الغريبِ , لعلّ بداوةً نفذتْ إلى رئتيكَ من رمل الجنوبِ , لعلّ توتُّر الأشياءِ بين يديكَ أورثَكَ انفصالاً .. سِرتَ في جسديكَ مُتَّحِدَ الدروبِ , لعل نطقاً ما تغير في رِيوف كلامِكَ , استبقيتَ جرحَك عند كورنيشَ المدينةِ , لمْ تطارِحْكَ الشوارعُ غير قُبلَتها المميتةَ , فاستدرتَ إلى الكتابةِ مفرداً..و أتيتني.
و أنا التي قرأتْ فؤادَك في القصيدةِ مرتينِ , رسمتُ خارطةَ الحنينِ عليهِ..طويتُ فاتحةَ الغيابِ على جفونكِ كي ترانيَ كلَّما أغمضتَ , نَم..نَم يا حبيبي , لن يزورَكَ هاجسُ الفقدِ الذي يحدوكَ صحواً طالما حطّتْ يدايَ على النوافذ تحرسانِكَ من غبارِ النهرِ في عينيكَ , حاصركَ النشيجُ و خانكَ الماءُ المُرابِطُ بالسهرْ .
(2)
لي في غيابي تكأَةٌ , لأرتبَ الفوضى و أجْرِدَ مفرداتِ الأرضِ , كمْ نقصتْ من الأزهار و الأطفال و الطيرِ البدائيِّ الحنينِ , كَمِ استزادتْ من مداخنَ و اشتباكٍ بين حشرجة القتيلِ و بين أوتار الكمنجةِ و الزنادِ , الواقعيُّ دوامُ فصلٍ لا ملامحَ فيهِ , لكنَّ الخيال هو الأكيدُ , هو التورّدُ في خدودِ الأرضِ , نمنمةُ العيونِ على المسافةِ لا بكاءَ يهزُّها.
يكفي - حبيبي- أن نحبَّ فتصعدَ الأرضُ السماءَ , و تستقرَ على جناح يمامةٍ بيضاءَ , فسرها الغَمامُ العارفونَ بأنها الجَنّاتُ .. لكنْ شُبِّهتْ للناسِ , يكفي - يا حبيبي - أن نحبَّ لينهضَ الشجرُ القديمُ مُدافعاً عنّي و عنكَ و هاتفاً : أولاديَ الفقراءُ أنتمْ.. فادخلوني آمنينْ .
(3)
لي هدأةٌ بعد البلادِ بخطوتينِ لكي أُريحَ الحلم من تعبِ الهويّةِ , مفرداً ..و اثنينِ واحدُنا بكاءٌ , ها هو المنفى قريبٌ , ها همُ الغرباءُ ينقرُ طيرُهمْ عينَ النشيدِ فلا يرانا..
هاتَ لي بلداً صغيراً في يديكَ إذا أتيتَ , و هاتَ لي شاياً و نعناعاً و سُكَّرَ ضحكتينِ , و هاتَ دفترَ ذكرياتِكَ كي أرى كيفَ ارتجفتَ و أنتَ تكتبُكَ البلادُ مسافراً فيها و فينا .
(4)
تعالَ , البردُ يهزمني و تنتَحُ شتوتي فوق الأصابع ملحَها, و الشمسُ عطلٌ واضحٌ في جبهةِ الشبّاكِ , كُرْكِمَ صوتُها : أوَ كلّما - يا بنتُ - صَعَّدَكِ الحنينُ إليَّ ..غِبْتُ على غدٍ ؟!!
خُذني قليلاً , و اخْفِني تحتَ الوسادةِ , ساوِني بيديكَ في درجِ القصائدِ , و ارتديني في خروجكَ من غيابكَ في غيابي , مثلَما أخبرتَني :
" أنّ الرمالَ سريعةُ النسيانِ ,
أنّ البحرَ ما بيني و بينكَ ليسَ بحراً ..إنّما عينٌ تغالبُ دمعَها ,
أنَّ الخلود يقيمُ في جهةِ المُحبِّ مدينةً عفويّةً ,
أنّ الهوى أمرٌ إلهيٌّ ..و أن الصُدْفةَ الأولى رسولةْ "
كلُّ ما أخبرتَني صدَّقْتُه من قبل حتى - يا حبيبي - أن تقولَهْ