لا أعرف كيف أقول كلمة شخصية عني , ولا أعرف كيف أقول كلمة نفسية عن عيوب ابراهيم . لا أعرف كيف أقول كلمة نقدية عن رواية الأرنب الذي قفز على رؤوس القراء بأرجل متسخة , ولا أعرف كيف أقول كلمة فنية عن أفضل أغنيات مديرة أكاديمية العهر العربية للشباب .. هيفاء وهبي !
إن كنت لا أعرف كيف أقول كلمة عن توافه العالَم .. المهمة بديهياً عند غيري من المهمين لأوساط الشهرة و الأضواء , فكيف سأعرف طريقة الكلام عن قريني العزيز .. الشيطان الأبيض كاسبر ؟ هل تعرفون من هو كاسبر ؟ لا ترموني بعلامة استفهام . أحمل كلاماً كثيراً و تعريفات تشبه هذيان سيوران و رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان حين تتأخر يوماً في الكتابة له . لديَّ كل ما تحتاجونه لقضاء وقت فراغ على قصة أطفال مرَّت بها ضجِرةٌ كبيرة و زوَّقتها قليلاً لتناسب أمزجة الكبار . لكنني نسيت رقم مفتاح الحظ .
باب الكلام يوشك أن يتداعى . كاسبر يبكي خلفه . المسافة بين كاسبر و الباب محشورة بالخوف و صور سيارات اسعاف مليئة بالموتى و صوت عرفان لله . عندما كان كاسبر يغطيني ببياضه في مرحلة الحمَّى , كان يؤنبني و يصمني بظنون سيئة كثيرة ثم عندما يعود الطقس إلى ما يُرام يختم رعايته بنفس الظنون إنما يؤكد أنه الآن لم يعد نادماً عليها ! ماذا تظنني فعلت ؟ لا شيء . صدقني لم أقترف اثماً يستدعي وعظ الأصدقاء بداعي المحبة و لم أغير اسماً . لا اسمي ..ولا اسم كاسبر في حائط الأوهام , ولا اسم الصعوبة التي قاسيتها لأنتمي إلى فصيلة الإنسان . لطالما أحببت أن أكون نبتة ؛ لكن كلمة نبتة لا تصلح لتكون اسم فتاة بشرية .. لهذا كنت أقترح عليكم أن أسمي نفسي " ملاك " . يا لحبي لهذا الاسم . بعيد عن عيني ! لكنني أحبه و أتحسس مكان جناحين غيـبيَّين فيه . ما عدت أستحي من كاسبر . إنه الوجه الأسود لهويتي . يرتدي ثوباً أبيضاً مثل ردائه في أفلام ديزني لغرض المواساة فقط . لغرض الرأفة بقنفذ القلق الذي بنى في قلبي غابة أحراش دموية . يضيرني حسن الناس فيّْ . كان عليَّ أن أكسر حاجز الحرج من فضائح لا تجري عليها فضيلة الستر . لكن شعرة رفيعة ما زالت تقف بين حبي لمنجم الفحم في عقلي و بين دعك قطع الفحم في ثياب الطيبين .
و أنزلق .
أشعر بطرف كاسبر يضع خشبة أفقية خلف انهياري لأنهض , يذكرني أنَّ عدم المعرفة لا يعني عدم تعلُّمها . ينبغي علي أن أعرف كيف أقول كلمة شخصية مرتبة عن كل الأشياء التي لا أعرف كيف أقول كلمة شخصية عنها . الأشخاص الذين حاولوا التمدن على حساب أخطائي . الأخطاء التي حاولت أن تتحول إلى أرواح آدمية على حساب تكبري . التكبر الذي تجاوز صبري إلى خفتي أمام رجُلي الوسيم .. السيد ملل ! أنتم الآن تتذمرون لأنكم لا تعرفون ماذا أريد الوصول إليه من كل هذه المقدمات . تتململون و تتأففون و يتسلق ذوقكم استياء لا تثريب عليه ولا على أذواقكم ولا عليكم ولا على آبائكم و أزمانكم و جهلكم و حضارتكم و علمكم و ثورتكم و رموزكم المقدسين . أعرف قبل أن أتكلم أن فرصة فِهم المنطق في كلامي اللامنطقي عدوة للحظ . أقصد الآنسة فرصة .
هل جربتم الحب ؟
لن تستطيعوا منحي أعذاراً ولا فهم حججي و مبرراتي إن لم يؤذِ قلوبكم فايرس الحب . لا يكفي وحده . الحب , و الكتابة كما قال صاحب ما تبقى من أوراق محمد الوطبان . هو يقول أن الحلم شرط ثالث للفهم و التصديق و الوثوق بمن تشكون في اتزانهم و ثقافتهم و مستوى عقلانيتهم بما أنكم بالطبع أكثر عقل منا كما تعتقدون !
منا لست أعني بها نفسي . لا أعرف كيف يفخم أحد نفسه بتحويلها إلى مجموعة " أنفس " . يبدو فعل كهذا خانقاً و ممتصاً لكامل الأوكسجين في الغرفة . أليس كذلك ؟!
عندما أقول أكثر عقل منا فإنني أعنيني و جميع من تظنون أنهم لا يملكون سوى الكلام . لأنهم لم يعرضوا أمامكم بضاعة غير الكلام . ربما لأنكم لستم الزبائن المناسبين لبضاعة تشبه الكيوي و البرتقال و باقي الفواكه المكررة و المملة في سلة أحد المخمليين !
من أنتم ؟
ينبغي الإيضاح أن أنتم يُعنى بها أولئك الذين ينتظرون في كل نص و فقرة .. نظرية صنع رؤوس نووية لإبادة الكفار و المحتلين . أو نِبال من شتائم و دعاء على المتسببين في أحد هزائمنا الدنيوية . و لهذا يا أولئك , أنتم الذين لا تريدون منا أن نملك غير الكلام !
لا أريد لقلة صبر الآدميين أن تقتلني . أتمنى لو أنني عشت في زمن الناس . الحياة في ساحة الآدميين تبدد رمحي و تحول سلاحي إلى صدأ . ربما يحدث هذا لأن الآدميين لا يقبلون فتاة " نصيَّة " اسمها ملاك . و ربما لأنهم يغارون من لحوم الناس المسمومة . بينما لحم الآدمي سهل الطعم و الفتنة و الفتك بما يضطره لتقمص دور الحرباء في طبيعة لم نعرف ألوانها إلا من خلال الخيال وقصائد أبي الأخضر و ابن الأزرق و سليل النون و ما يسطرون .
عند مفتاح الحظ الذي وجدته في إحدى صناديق علي بابا و اللصوص نائمون ؛ كان كاسبر قد هرب إلى بئر نفط بدلاً من منجم الفحم .