وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلا
الله
لطالما كانت الكتابة هي المنفذ الأخير والحقيقي القادر على حمل كينونتي كما أحب.. الكتابة تذكرني بالـ سعوط.. وهذا الأخير أشبه بوصفة الطمأنينة التي دائماً ما تنهي بها الجدات رعب أحفادهم.. هكذا أشعر حين أكتب.. وكأن كل شيء على ما يرام.. كترنيمة تبعث على السلام والنعاس.. كتلك التي يسمعها الرضيع قبل أن ينام..
الشعور بالسعادة أشبه بأغنية ما أحبها تُعزف برأسي.. أشبه بترديد تسبيحه لله بلحظة تجلّي.. حين تحب الله كثيراً ستعلم أنك لن تجد أحداً يستطيع أن يحبك فعلاً إلا هو.. هكذا أشعر الآن.. بالحب.. الحب الذي يصلني منه.. باللذة التي تدفع الملائكة لقول الحمد لله وسبحان الله..
حدث في هذا اليوم أن اكتظ البنك بالناس.. كانوا يتوافدون حاملين شيكات رواتبهم.. يبتسم البعض منهم بوجهي ويكتفي البعض برسم ملامحه العابسة أمامي فقط.. بعد أن سألت صديقي الجديد فهد عن الأمر أخبرني بأن اليوم هو يوم الرواتب..
كنت أراقب الناس وهم يتزاحمون ليرموا نقودهم عندي ثم يذهبون مطمئنين.. أنظر لهذا الورق الملون وأنا أفكر كيف يحرك هذا الورق البسيط هذه الكائنات المعقدة.. كيف يتصارع من أجلها.. كيف تجعله ينهض وينام لأجلها.. كيف يطوي لها الأرض ويسافر.. كيف يقاتل من أجلها ويهادن.. كيف تدفعه ليصمت ويتكلم.. إني أدرك بأن الله يجعل كل روح تنظر للحياة من منظارها التي اختارته.. فالشخص المادي سينظر للحياة على أنها منطقة الصراع.. كل شيء بالنسبة له مقسم بين قوي أخاف منه أو ند أصارعه أو ضعيف يخاف مني.. وهناك من سينظر للحياة على أنها منطقة انسجام.. وبأن منطقة الصراع الوحيدة لن تتجاوز قلبك.. كنت أظن بأن السخرية هي الشيء الكامن خلف وجه التناقض.. ولكني الآن أدرك بأن التناقض مجرد مفهوم بشري بلا دليل كوني.. لذا لم يتبق لي شيء من السخرية إلا ذاك المتعلق بالحياة كما يظنها الكائن البشري..
بعد أربع ساعات من العمل المتواصل اكتشفت أن العمل بالبنك أخطر من العمل في سيرك بين الأسود الغاضبة.. على الأقل سيعطونك سوطاً هناك.. يقول لي الرفيق عبدالله الذي يخبرني بين الحين والآخر بأنه مديري بأن الناس الذين كانوا لأكثر من أربعة قرون يحاولون سرقته المال من البنك يحاولون الآن بنفس القوة إدخال المال فيه.. إنه يحاول دائماً إخباري شيئاً جديداً ولكن لا مبالاتي الفريدة دائماً ما تنتهي بي وأنا أتخيل السيناريو الكامن خلف هذه المعلومات..
لا أدري لمَ أدرك الآن بأن الشخصيات التي أحبها وتلك التي أكرهها بالماضي لم تمر في ساحة حياتي إلا لأستعد للشخصيات التي سأحبها وأكرهها في المستقبل.. لا أدري لمَ أدرك بأن كل شيء مؤلم مر في الماضي ليس إلا أرحم طريق مؤدي لما هو آت..
في البنك كل يوم هو يوم جديد.. لذا أرتكب في كل يوم خطأ جديد.. إن الرفيق فهد يقاطع قافلة بوحي الآن ليخبرني بغضب بأني كائن بليد بعد أن اكتشفوا خطاءً جديداً لي سيجعلهم يعملون لساعتين بعد نهاية الدوام ليحلوا لغزة.. كنت أقول له بأني كائن مفيد بنهاية الأمر.. كالبركان مثلاً..