الصفحةُ البيضاءُ فخّْ
والحبرُ يغريكَ لكي
تكتبْ
مماتكْ
عجّل إذنْ
فالقبرُ قرطاسٌ أضّرَ بهِ البياضْ
والقبرُ مشتاقٌ لكي يحوي
رُفاتكْ
الجملةُ الأولى لها:
- أحبيبتي ..
وتكفُّ عن قولِ المزيدْ
ماذا تضيفُ سوى الفراغِ المرِّ مرتبكِ الحروفْ؟
لا حرفَ يكفيها عزاءكْ
الصمتُ أبلغُ ما يُقالْ
الصمتُ أبلغُ من بنانكْ
أصمتْ لكي يبكيكَ منها خيالها
سيزورها منكَ الخيالُ
ويعتذرْ
عنكَ بما شاءتْ
أغانيَ
أو قصيدْ
دعها تودّعُ من أحبّتْ
واكتبْ مماتكَ من جديدْ
الجملةُ الأولى إليه:
- إني افتقدتكَ يا صديقْ
إني ظننتكَ منجدي
درعي من الأيامِ إذْ تعدو عليَّ
وتستضيقْ
وهماً تُخاطبُ..
لا صديقْ
ليسَ من أحدٍ معكْ
فالصفحةُ البيضاءُ مشنقةٌ تؤرجحكَ لوحدكْ
أسمعتَ عن عنقينِ في حبلٍ وحيدْ؟
منذا يصاحبكَ الهزيمةَ والنهاياتِ العقيمةْ؟
لم يبقَ من أحدٍ لديكَ
سوى الدواةِ
وفوقها..
عينُ الرقيبْ
الصفحةُ البيضاءُ لا تكفي سواكَ
وعنكَ إذْ تكتبْ..
تضيقْ
اكتبْ إذنْ
أكتبْ إلى ذاكَ المُحالْ
اكتبْ إلى الوطنِ الحبيبْ
أكتبْ إلى حلمٍ تخبّئهُ بصدركَ لايُباحُ
تضمّهُ جمراً وناراً في الضلوعْ
حلمكَ المجنونُ في ليلِ المنافي والصقيعْ
وطنٌ حبيبْ..
ذاكَ الذي عُدتَ إليهِ
لترتجيهْ
يُهدي إلى أزهاركَ الذبلى الأريجْ
ويعيدَ بسمتكَ التي ما عدتَ تذكرُ
كيفَ ترسمها الشفاهْ
اكتبْ إلى الوهمِ الحبيبْ
خبّرهُ أنك قد رجعتَ لكي تراهْ
حتى تضمَّ جبالهُ
وتُريقَ حزنكَ
في ثراهْ
أخبرهُ أنكَ قدْ رجعتَ..
فلمْ تجدهْ
أنَّ المنافي
حتى وإن كسرتْ عظامكْ
حتى وإن وأدتكَ حياً
في اغترابكْ
حتى وإنْ
داستْ عليكَ
وبعثرتْ
في الريحِ صوتكْ
حتى وإن
ذبحتكَ
من دونِ اهتمامْ
من دونِ حتى..
أن تراكْ
أنّ المنافي
- تلكَ التي اقتاتتْ عليكْ -
كانتْ إليكَ رحيمةً
أبقتْ لديكَ الوهمَ في
وطنٍ حبيبْ
أبقتْ على قلبٍ يعيشُ
لكي يراهْ
خبّرهُ أنّكَ قد رجعتَ
فلم تجدهْ
ماذا وجدتَ إذا رجعتْ؟
صفحةٌ بيضاءُ تختصرُ الحياة
والحبرُ بارودٌ تفجّرهُ الحروفْ
الصفحةُ البيضاء فخّْ
والحبرُ يغريكَ لكي
تكتبْ
مماتكْ
اكتبْ إذنْ
اكتبْ إليهمْ كلّهمْ
خبّرهمُ
قدْ كنتَ حقاً هاهنا
والآنَ..
ها
أنتَ
انتهيتْ
..
عبثاً تُحاولْ
لا شيءَ إلا الصفحةُ البيضاءُ فاغرةً حراباً تحتويكْ
اكتبْ إليكْ
لا شيءَ يقرؤكَ سواكْ
اكتبْ إذنْ
الجملةُ الأولى إليكْ:
- الصفحةُ البيضاءُ ليلْ
ألقِ يراعكَ..
ثمَّ مُتْ.