السلام عليكم
تعد مرحلة الطفولة من المراحل الأساسية و المهمة من مراحل العمر، حيث تتشكل فيها المعالم العامة لشخصية الفرد ، و التي توجه حياته المستقبلية ، فمرحلة الطفولة من أسرع مراحل النمو التي يمر بها أي كائن حي إلى أن يستطيع الاعتماد على نفسه في تامين حاجاته الضرورية و تدبير شؤونه بنفسه بعدما كان يعتمد على غيره .
- مفهوم الطفولة :
* يشير فيليب أريس (aries) : إلى أن الطفولة مصطلح حديث نسبيا ، فالأطفال في القديم كانوا يعيشون بيننا و يرتدون نفس الطراز من الملابس ، و عليهم أن يتصرفوا مثل الكبار ، و لم يكن معروفا أن للطفولة خصائصها و حاجاتها و أغراضها و فرحها كالخيال و اللعب ، فدورة الحياة تنقسم إلى الرضاعة و ما قبل البلوغ و البلوغ .
* أما جون جاك روسو (j.rousseau ) : فينظر إلى الطفولة على أنها مرحلة خير و جمال و ذكاء و خيال و مرونة و تكيف و ابتكار .
* و يعرفها موفق هاشم صقر الحلبي : على أنها مرحلة من مراحل العمر يقضيها الإنسان منذ ولادته إلى أن ينمو و يكبر ، و يكون قادر على تدبير شؤونه و الاعتماد على نفسه
* بينما يشير الرماوي (2003) : إلى أن الطفولة مرحلة عمرية من دورة حياة الكائن الإنساني ، حيث تمتد من الميلاد إلى بداية المراهقة .
* و يعرف عبد الله العارضة (2003) : الطفولة على أنها مرحلة حياتية فريدة تتميز بأحداث هامة ، و فيها توضع أسس الشخصية المستقبلية للفرد البالغ . و لها مطالبها الحياتية و المهارات الخاصة التي ينبغي أن يكتسبها الطفل ، أنها وقت خاص للنماء و التطور و التغير يحتاج فيها الطفل إلى الحماية و الرعاية و التربية.
* و يعتبرها عبد الباري محمد داود (2003) : بأنها المرحلة العمرية التي يقضيها الصغار من أبناء البشر منذ الميلاد إلى أن يكتمل نموهم و يصلوا إلى حالة النضج .
* كما تعرف الطفولة على أنها فترة من النمو تمتد من الميلاد إلى سن 12 سنة ( بداية البلوغ ).
* و مما سبق ذكره نستخلص أن الطفولة مرحلة مهمة من مراحل نمو الكائن البشري ، تمتد منذ الميلاد إلى البلوغ ، و يكون الطفل معتمدا على والديه في قضاء حاجياته.
2- أبعاد الاهتمام بالطفولة :
1- من الناحية العاطفية :
يعتبر حب الأطفال بصفة عامة عن دوافع الأمومة و الأبوة ، و هي دوافع إنسانية نبيلة قوية ، تمتد جذورها إلى حب الذات و تأكيدها و تخليدها و ترتبط ببقاء النوع و استمراره ، فالمجتمعات الإنسانية لا تخلو من هذه العاطفة ، و إنما تختلف في درجتها و كيفية التعبير عنها و في ترجمتها إلى أساليب و ألوان من الرعاية الملائمة لطبيعة الأطفال و خصائص نموهم ، فيعتبر العرب من أفضل الشعوب من حيث ارتباطهم بأبنائهم ، فتوضح النماذج التالية عاطفة العربي نحو أبنائهم : قال " الأحنف " << أولادنا ثمار قلوبنا ، عماد ظهورنا ، و نحن لهم سماء ظليلة و ارض ذليلة و بهم نصول على كل جليلة ، فإن غضبوا فأرضهم ، و إن سألوا فأبتدئهم و لا تنظر إليهم شررا فيملوا حياتك و يتمنوا و فاتك >> .
2- من الناحية الدينية :
لقد أكد الدين الإسلامي عاطفة حب الأطفال ، و جعلها سبيلا إلى إشباع دوافع الأبوة و الأمومة . قال الله تعالى في كتابه الكريم << زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين >> ( سورة آل عمران ، الآية 14 )
و قال تعالى << المال و البنون زينة الحياة الدنيا >> (سورة الكهف ، الآية 46 ).
و قال الرسول صلى الله عليه وسلم << الولد ريحانة من الجنة >>.
3- البعد الاجتماعي و الاقتصادي :
إن الاهتمام بالطفولة أصبح من أهم المعايير التي يقاس بها تقدم المجمع و تطوره و تحضره بين المجتمعات ، فالاهتمام بالطفولة هو اهتمام بمستقبل الأمة ، ذلك أن أطفال اليوم هم شباب الغد ، فمنهم يحصل المجتمع على قيادات مختلفة يديرون المؤسسات الاجتماعية و الاقتصادية و التربوية و العسكرية و غيرها ، فرعايتهم و إعدادهم للمستقبل حتمية حضارية يفرضها التطور العلمي والتكنولوجي المعاصر .
إذن فخبرات الطفولة تنعكس على شخصية الطفل في شتى مراحل حياته و تنطبع على شخصيته ، فالطفولة السعيدة تقود إلى مراهقة سعيدة والمراهقة السعيدة بدورها تقود إلى مرحلة شباب سعيدة و هكذا
3- مظاهر الطفولة و خصائصها :
1- النمو الجسمي :
و من مظاهره و خصائصه ما يلي :
* نمو الهيكل ( الجسم ).
* النمو في الطول و الوزن .
* التغيرات في أنسجة و أعضاء الجسم .
* صفات الجسم الخاصة بنسب الجسم والشعر و القدرات الخاصة .
2- النمو الفسيولوجي :
و من مظاهره ما يلي :
* نمو وظائف الأعضاء .
* نمو أجهزة الجسم المختلفة مثل : نمو الجهاز العصبي و ضربات القلب و ضغط الدم و التنفس و الهضم و الإخراج ... الخ .
* النوم .
* التغذية .
* الغدد الصماء التي تؤثر إفرازاتها في النمو .
3- النمو الحركي :
و من مظاهره و خصائصه نمو القدرات و المهارات الحركية مثل : النشاطات الحركية المختلفة ، و تحسين الأداء في الحركة و الممارسة الرياضية و النشاطات المختلفة في الحياة .
4- النمو الحسي :
و من مظاهره و خصائصه نمو الحواس المختلفة : ( البصر ، السمع ، الشم ، الذوق ،الإحساسات الجلدية، و الإحساسات الحشوية كالإحساس بالألم و الجوع و العطش و امتلاء المعدة و المثانة ) .
5- النمو العقلي :
و من مظاهره و خصائصه نمو الوظائف العقلية المختلفة مثل : الذكاء العام والقدرات العقلية ، و العمليات العقلية العليا كالإدراك و الحفظ و التذكر و التخيل و التفكير و الابتكار و التحصيل ... الخ.
6- النمو اللغوي :
و من مظاهره و خصائصه ما يلي :
* اكتساب القدرة على كلام و تنمية الرصيد اللغوي .
* عدد المفردات و نوعها .
* طول الجمل .
* المهارات اللغوية .
7- النمو الانفعالي :
و من مظاهره و خصائصه نمو و تطور المشاعر الانفعالية المختلفة للوصول إلى النضج الانفعالي ، و تجنب سوء التوافق النفسي ، و الابتعاد عن مشاعر الانقباض والغضب و التقزز و الخوف ... الخ .
8- النمو الاجتماعي :
و من مظاهره و خصائصه ما يلي :
* التنمية الاجتماعية من خلال التنشئة الأسرية الايجابية .
* تنمية مفهوم التوافق الاجتماعي لدى الفرد ، و إعانته على هذا التوافق .
* كسب الأدوار الاجتماعية ، و الاتجاهات و القيم الاجتماعية ، التفاعل الاجتماعي، القيادة ، الانتماء ...الخ.
9- النمو الجنسي :
و من مظاهره و خصائصه مايلي :
* نمو الجهاز التناسلي و وظيفته .
* أساليب السلوك الجنسي .
* التربية الجنسية لها أهميتها بالنسبة للنمو الجنسي السليم .
4- مراحل النمو للطفولة :
لقد بين القرآن الكريم في آيات كثيرة مراحل النمو التي يمر بها الإنسان منذ النشأة الأولى ، بل قبل إن ينشأ لقوله تعالى في سورة الإنسان : << هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ، إن هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا >> ( سورة الإنسان ، الآية 01 و 02 و 03 ).
هذه الآيات تبين المراحل الأولى للنمو و ما يتبعها من مراحل متعاقبة محكمة منها مرحلة ما قبل الولادة ، مرحلة المهد ، مرحلة البلوغ ، و مرحلة الرشد ثم الشيخوخة .
و يمكن تقسيم مراحل النمو على ضوء ما جاء في سورة الحج إلى 08 مراحل أساسية :
يقول تعالى : << يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة و غير مخلقة لنبين لكم و نقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم و منكم من يتوفى و منكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا >> ( سورة الجج الآية 05 ) .
و يختلف العلماء و الباحثون في تحديدهم و تقسيمهم لمراحل الطفولة أو مراحل النمو عموما كل حسب تخصصه أو اتجاهات بحثه في هذا الصدد . فهناك من يستند في تقسيمه إلى الميزات أو السمات الجسمية
للنمو ، فهناك من يجعل للعلاقة الاجتماعية بين الطفل و البيئة مبدأ لهذا التقسيم ، بينما آخرون يجعلون السن أو الفترات العمرية المتتابعة للوليد البشري أساسا لهذا التقسيم .
و من بين هذه التقسيمات تقسيم علم النفس التحليلي الذي يقسمها إلى مراحل شبقية و هي :
1- المرحلة الفمية ( من 00 إلى 02 ) سنة : و تكون المنطقة الجنسية خلالها منحصرة حول إشباع الرغبات الغذائية ، و ذلك من خلال عملية امتصاص الرضيع للحليب من ثدي أمه .
2- المرحلة الشرجية الآستية (02 إلى 03 ) سنوات : تنضم الشبقية حول إشباع رغبة إخراج الفضلات .
3- المرحلة القضيبية (03 إلى 05) سنوات : و هي تلك المرحلة التي تكون فيها الشبقية منظمة حول وجود القضيب أو انعدامه ، كما هو الشأن بالنسبة للبنت ( قلق الخصا ) .
4- المرحلة التناسلية ( 03 إلى 06 ) سنوات : و تكون الشبقية منظمة حول الجهاز التناسلي و تتكون من :
- عقدة أوديب حوالي ( 03 إلى 05 ) سنوات .
- مرحلة الكمون من 05 أو 06 سنوات إلى البلوغ .
5- مرحلة البلوغ من حوالي 12 إلى 14 سنة .
6- مرحلة المراهقة من حوالي 14 إلى سن الرشد .
7- مرحلة الرشد و هي بعد العشرين .
أما المدرسة المعرفية بقيادة " بياجي " فهي تعتمد على الذكاء في تقسيميها لمراحل النمو و هي :
1- مرحلة الذكاء الحسي الحركي ( 00 – 02 ) سنة : يرى " بياجي" إن المولود الجديد هو الذي يفتقد للوظيفة الرمزية ( كاللغة مثلا ) مرتبط بتصورات تمكنه من تذكر الأشخاص .
2- مرحلة الذكاء ما قبل الإجرائي ( 03-07 ) سنوات : تتحد هذه المرحلة بظهور وظيفة الكلام و تطورها، فهي تؤثر في النمو تأثيرا أساسيا لأن قدرة الطفل على الكلام تمكنه من سرد الحوادث التي مرت به عن طريق الرواية كما يزداد خياله
وتتميز هذه الحالة بظهور و نمو ثلاث وظائف أساسية :
* اكتساب اللغة .
* ظهور التفكير .
* يكون الفكر حدسي .
3- مرحلة الذكاء العيني الإجرائي( 08-12 ) سنة : يكتسب الطفل القدرة على التفكير بحيث يبدأ الذكاء في النمو و ذلك من خلال :
* تكوين علاقات مع العالم الخارجي .
* تهيئة الظروف لتنشئة اجتماعية فعالة .
4- مرحلة الذكاء الإجرائي الشكلي ( 12 – 20 ) سنة : و يميز هذه المرحلة الذكاء المجرد أو ما يسميه "بياجي" بالتفكير الافتراضي أو الإستنتاجي .
أما " فالون " فصنف مراحل النمو على أساس البعد الجسمي و الفكري و العاطفي على النحو التالي :
1- المرحلة الرد فعلية (00 إلى 05 ) أسابيع .
2- المرحلة العاطفية ( 02 إلى 09 ) أشهر .
3- المرحلة الحسية الحركية ( 09 إلى 14 ) شهر .
4- المرحلة الإدراكية ( 02 سنتين ) .
5- المرحلة الشخصانية ( 04 سنوات ) .
6- المرحلة الموضوعية ( 10 سنوات ) فما فوق.
كما أن هناك تقسيمات لمراحل النمو تعتمد على الخصائص الجسمية و تشمل المراحل التالية :
1- مرحلة ما قبل الولادة .
2- الطفل حديث الولادة : من الولادة إلى أسبوعين .
3- مرحلة المهد : من أسبوعين حتى سنتين .
4- مرحلة الطفولة المبكرة : من 02 إلى 06 سنوات .
5- مرحلة الطفولة المتوسطة : من 06 إلى 09 سنوات .
6- مرحلة الطفولة المتأخرة : من 09 إلى 12 سنة .
7- مرحلة المراهقة المبكرة : من 12 إلى 14 سنة .
8- مرحلة المراهقة المتوسطة : من 14 إلى 17 سنة .
9- مرحلة المراهقة المتأخرة : من 17 إلى حوالي 20 سنة .
10- مرحلة الرشد : ما بعد سن العشرين إلى حوالي ستين سنة .
11- مرحلة الشيخوخة : من الستين إلى ما فوق .
* و باختلاف التقسيمات إلا أننا نستطيع أن نستنتج بأن مراحل الطفولة الحقيقية هي :
مرحلة الوليد ، المهد ( الرضيع ) ، الطفولة المبكرة ، الطفولة المتوسطة ، فالطفولة المتأخرة .
5- مطالب النمو في مرحلة الطفولة :
نقصد بمطالب النمو هي الأشياء التي يتطلبها النمو النفسي السوي للفرد في جميع مراحله و بكافة مظاهره، و التي يجب أن يتعلمها حتى يصبح سعيدا و ناجحا في حياته ، أي أنها عبارة عن المستويات الضرورية التي تحدد خطوات النمو السوي للفرد ، عدم تحقيقها يؤدي إلى شقاء الفرد و فشله .
و فيما يلي أهم مطالب النمو في مرحلة الطفولة :
* تعلم المشي .
* تعلم الأكل خاصة الأطعمة الصلبة .
* تعلم الكلام .
* تعلم استخدام العضلات الكبيرة و بعض العضلات الصغيرة .
* تعلم التحكم في عمليتي التبول و الإخراج .
* تعلم المهارات الجسمية الحركية اللازمة للألعاب و أنواع النشاطات العادية .
* المحافظة على الحياة .
* تعلم الفروق بين الجنسين .
* ضبط الانفعالات و ضبط النفس .
* تحقيق التوازن الفسيولوجي .
* تعلم المهارات الأساسية في القراءة و الكتابة و الحساب .
* تعلم المهارات العقلية المعرفية الأخرى اللازمة لشؤون الحياة و تعلم الطرق الواقعية في دراسة و التحكم في البيئة .
* تعلم قواعد الأمن و السلامة .
* تعلم ما ينبغي توقعه من الآخرين و خاصة الوالدين والرفاق .
* تعلم التفاعل الاجتماعي مع رفاق السن و تكوين الصداقات و الاتصال و التوافق الاجتماعي .
* تكوين الضمير و تعلم التمييز بين الصواب و الخطأ و الخير و الشر و معايير الأخلاق و القيم .
* التوحد مع أفراد نفس الجنس و تعلم الدور الجنسي في الحياة اليومية .
* تكوين اتجاهات سليمة نحو الجماعات و المؤسسات و المنظمات الاجتماعية .
* تكوين المفاهيم و المدركات الخاصة بالحياة اليومية .
* تعلم المشاركة في المسؤولية .
* تعلم ممارسة الاستقلال الشخصي .
* تحقيق الأمن الانفعالي و تعلم الارتباط الانفعالي بالوالدين و الإخوة.
6- مشكلات الطفولة :
تعد مرحلة الطفولة أساسية عند الطفل ، فان مرت هذه الأخيرة بطريقة سليمة و متفهمة من طرف الوالدين و المربين و القائمين على رعاية الطفل ، فينشأ و ينمو نموا سليما ، و إن لم يجد الطفل الرعاية السليمة و المتفهمة له قد يواجه العديد من المشكلات الدالة على اضطرابه نفسيا و جسديا ... الخ .
و من أبرز هذه المشكلات نذكر أهمها :
* زيادة حدة الحركة و النشاط و الحيوية .
* التبول اللاإرادي .
* ثورات الغضب و حدة المزاج .
* المعاناة من اضطرابات في تناول الطعام كرفض الطعام أو السمنة .
* شدة الانطواء و الانعزال أو الانسحاب من المجتمع و الخجل .
* اعتلال الصحة .
* العدوان .
* المعاناة من اضطرابات في النوم .
* المعاناة من مشاعر الغيرة .
* التمرد و العصيان .
و لكن لحسن الحظ تتخلص الأغلبية الساحقة من هذه المشكلات و تخرج منها بسلام .
إلا هناك بعض المشاكل فقط قد تبقى أو قد تزداد شدة وحدة .
ارجوا ان ينال اعجابكم