1. الربانية. 2. الإنسانية. 3. الشمول.
4. الوسطية. 5. الواقعية. 6. الوضوح.
1. الربـانية:
المراد بالربانية: أن الدين الإسلامي، مـادته ومنشـأه ونهايتـه من الرب سبحانـه وتعالى، فالإسلام شريعته ربانية من وجهين:
أولاً: ربانية المصدر والمنهج:
إن المنهج الذي رسمه الإسلام للوصول إلى غاياته وأهدافه منهج رباني خالص؛ لأن مصدره وحي الله تعالى إلى خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم.
لم يأت هذا المنهج نتيجة لإرادة فرد، أو أسرة، أو طبقة، أو حزب، أو شعب، وإنما جاء نتيجة لإرادة الله الذي أراد به الهدى والنور، والبيان والبشرى، والشفاء والرحمة لعباده. كما قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً }
[النساء: 174].
وقال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } [يوسف: 57].
ثانياً: ربانية الغاية والوجهة:
إن الإسلام يجعل غايته الأخيرة وهدفه البعيد هوحسن الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فهذه هي غاية الإسلام، وبالتالي هي غاية الإنسان، ومنتهى أمله وسعيه وكدحه في الحياة، قال تعالى: {يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه } [الانشقاق: 6].
وقال تعالى: {وأن إلى ربك المنتهى } [النجم: 42].
وكل ما في الإسلام من تشريع وتوجيه وإرشاد، إنما يقصد إلى إعداد الإنسان ليكون عبداً خالصاً لله، لا لأحد سواه. ولهذا كان روح الإسلام وجوهره هو التوحيد.
ولقد خاطب الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة، وأمره أن يعلنها ويبلغها للناس، فقال: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً، وما كان من المشركين. قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. قل أغير الله أبغي رباً وهو ربُّ كل شيء }
[الأنعام: 161-163].
في الإسلام تشريع ومعاملات، ولكن المقصود منها هو تنظيم حياة الناس وتحريرهم من الصراع على المتاع الأدنى، وتوحيد وجهتهم إلى الغاية الأسمى؛ عبادة الله وطاعته.
وفي الإسلام جهاد وقتال للأعداء، ولكن الغاية: {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } [الأنفال: 29].
وفي الإسلام حث على المشي في مناكب الأرض، والأكل من طيباتها ولكن الغاية هي القيام بشكر نعمة الله وأداء حقه: {كلوا من رزق ربكم، واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور } [سبأ: 15].
إن الغاية الكبرى من خلق الجن والإنس هي عبادة الله بمعناها الشامل، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } [الذاريات: 56-58].
فالإسلام إذاً منهج رباني، سلم من تحريف البشر بالزيادة أو النقصان، بخلاف الأديان الأخرى التي إما أن تكون في أساسها من وضع البشر، فهي قاصرة عن الوفاء بسعادتهم، لأنها متأثرة بقصور واضعيها وجهلهم وأهوائهم، كالديانات الوضعية على اختلاف أنواعها، أو تكون في أصلها من عند الله، ثم دخلها التحريف والتبديل فذهبت عنها قداستها وصفتها الربانية، كاليهودية والنصرانية.
قال عز وجل: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [الحجر: 9].
2. الإنسانية:
هذه هي الخاصية الثانية من خصائص الدين الإسلامي، والمراد بالإنسانية: أن الإنسان له مكانة عظيمة في هذا الدين، وعقائد الإسلام وأحكامه وأهدافه إنما جاءت لإسعاده والعناية به وبحقوقه، بطرق مباشرة تظهر لعامة الناس، وغير مباشرة يدركها العارفون منهم.
فالرسول بشر وإنسان، وهو الذي نقل إلينا هذا الدين من الله سبحانه، قال عز وجل: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } [فصلت: 6].
وكل دعوات الرسل التي جاءت من عند الله، ودعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان أساس دعوتها إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، ثم العناية بالإنسان وحاجاته، وإصلاح معاشه. ومن تأمل في دعوات الأنبياءالتي قصها الله فى القرآن يجد أن إصلاح الانحرافات الواقعة في المجتمعات الإنسانية كانت من أولوياتهم.
فهذا شعيب عليه السلام يقول لقومه: {يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولاتنقضوا المكيال والميزان } [هود: 84].
فمع دعوته للتوحيد نصحهم بترك التطفيف في المكيال والميزان، وغش الناس في البيع والشراء.
وهذا لوط عليه السلام ينصح قومه الذين كانوا يمارسون فاحشة اللواط وهي إتيان الذكر الذكر، فيقول لهم: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } [النساء: 80].
وقال في موضع آخر: {أتأتون الذكران من العالمين } [الشعراء: 165].
وشريعة الإسلام، كل عباداتها ومعاملاتها تعتني بجانب الإنسان ولأجل مصلحته، فالزكاة تؤخذ من الغني وتعطى للفقير، والصلاة والصوم تعينان الإنسان في حياته، قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا استـعينوا بالصـبر والصلاة إن الله مع الصـابرين }
[البقرة: 153].
وحرم كل البيوع والعقود التي تعود بالضرر على الإنسان، بل شرع من الآداب والأخلاق ما يحفظ للإنسان كرامته وعزته.
* مظاهر تكريم الإنسان في شريعة الرحمن:
أ-استخلافه في الأرض.
قال عز وجل: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون }
[البقرة: 30].
فكرم الله الإنسان بالخلافة في الأرض وعمارتها، وهيأه بالعلم والعقل الذي جعله فى منزلة فوق الملائكة الأطهار.
ب-خلقه في أحسن تقويم.
فالله عز وجل خلق الإنسان وصوّره في أجمل وأحسن صورة، وكرمه بذلك على غيره من الكـائنات.
قـال عز وجل: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } [الإنسان: 4]. وقـال عز وجل: {الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين } [غافر: 64].
ج- أن الله نفخ فى الإنسان من روحه وأضاف الروح إلى ذاته الشريفة؛ لأنه كريم عند الله تعالى.
قال عز وجل: {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } [ص: 71-72].
وقال عز وجل: {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون } [السجدة: 8-9].
د- تسخير الكون لخدمة الإنسان.
من تكريم الله لهذا الإنسان في نظر الإسلام أنه جعل الكون كله في خدمته، كرامة من الله له ونعمة منه عليه، لكي يسعد في الدنيا، ويستعين بها على عبادة ربه، قال عز وجل مخاطباً الإنسانية كلها: {الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار } [إبراهيم: 32-34].
وقال عز وجل: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنةً ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ ولا هدىً ولا كتابٍ منير } [لقمان: 20].
هـ-إلغاء الوساطات والحواجز بين الله والإنسان في شريعة الإسلام.
وهذا تكريم آخر للإنسان المسلم، فإنه متى أراد أن يدعو ربه ليغفر ذنبه ويقضي ويسد حاجته، ما عليه إلا أن يرفع يديه إلى مولاه، فليس هناك حاجة إلى من يتوسط بينه وبين الله عز وجل، كما تفعل المسيحية التي تمنح الكهنة والرهبان حق إصدار صكوك الغفران للناس نيابة عن رب العباد، فتجعل سعادة البشرية مرهونة بأفراد معينين، يكونون حاجزاً وحجاباً بينهم وبين ربهم ومولاهم سبحانه.
قال عز وجل: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } [البقرة: 186].
و-حفظ كرامة الإنسان وماله وعرضه في شريعة الإسلام.
أكد الإسلام على كرامة الإنسان وحرمة دمه وماله وصيانة عرضه، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن ذلك في حجة الوداع حين خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْر في آخر سني عمره، أمام أعظم حشد من البشر، فقال صلى الله عليه وسلم مقرراً حقوق الإنسان قبل أربعة عشر قرناً:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْركُمْ هَذَا ، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض ) رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه، واللفظ للبخاري.
بل إن الإسلام لم يكتف بحماية حق الإنسان وحفظه في حياته، بل حتى بعد مماته، فقال صلى الله عليه وسلم: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا ) رواه أحمد وأبوداود وصححه الألباني. وهذا مخالف لما عليه الأديان الوضعية والقوانين الأرضية التي عنيت إلى حد الإفراط بجوانب من حياة الإنسان، وسمحت له أن يدمر نفسه في جوانب أخرى، فالحمد لله على نعمة الإسلام.
ز-الناس سواسية في شريعة الإسلام:
وهذا من مظاهر التكريم للإنسان المسلم، فلا فرق بين أبيض ولا أسود، ولا عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، كما قال عز وجل: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } [الحجرات: 13].
وقال صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ) رواه أحمد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح.
بل إن الإسلام لما شرع العقوبات والحدود على المعتدين والمجرمين جعلها تطبق على الناس كافة، شريفهم ووضيعهم، غنيهم وفقيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها ) رواه البخاري.