*عصر النهضة في أوروبا:
ساهم الانقلاب التجاري في تفجير طاقات الإنسان الغربي ورغباته وشهواته ومن ضمنها شهوة الامتلاك والسيطرة والغزو وتحسين المستوى المعيشي, وقد ظهر في هذه المجتمعات ما يمكن تسميته بالفائض السكاني نتيجة الانتقال من القرية إلى المدينة, ولم يكن هناك مفر من التخلص من هذا الفائض لأنه أصبح يهدد الأمن الاجتماعي (وهذا ما سُمي بالمسألة الغربية).
ويجب أن نعلم أن توجه اليهود إلى فلسطين لم يكن من منطلق ديني وإنما كان بهدف استيطاني بحت..يقول سيسل دورس أحد رواد الإمبريالية الاستيطانية في عام 1895:"...لكي ننقذ أربعين مليوناً من سكان المملكة المتحدة من حرب أهلية مهلكة ينبغي علينا نحن الساسة طلاب المستعمرات أن نستولي على أراضٍ جديدة لنرسل إليها فائض السكان ولنقتني ميادين جديدة لتصريف البضائع التي تنتجها المصانع والمناجم, فالإمبراطورية, وقد قلت ذلك مراراً وتكراراً هي مسألة البطون. فإذا كنتم لا تريدون الحروب الأهلية ينبغي عليكم أن تصبحوا استعماريين".!!
*المسألة اليهودية:
ومن ناحية أخرى أدت الثورة الصناعية والانقلاب التجاري إلى تفاقم المشكلة اليهودية, وفقد أعضاء الجماعات اليهودية وضعهم في أوروبا.
*المسألة الشرقية:
وهي تعبر عن حالة الضعف في الدولة العثمانية وتفكك العالم الإسلامي فكان لابد من استغلال هذه الفرصة الذهبية التي لا تعوض. وظهرت فكرة الدولة الحاجزة بمعنى غرس كيان غريب في قلب العالم الإسلامي ليمنع ظهور قوة إسلامية كبرى جديدة تحل محل الدولة العثمانية حال سقوطها وتهدد مطامع الغرب ومصالحه الاستعمارية من جديد.
*لماذا لم يَظهر هذا الحقَّ طوال القرون الماضية؟
بل لماذا لم يظهر عند ظهورالصهيونية السياسية المنظمة على يد (هرتزل)؟
فَمِنَ المعروف أن فلسطين لم تكن هيالمرشَّحة لتكون الوطن القومي لليهود. بل رُشحت عدة أقطار في أفريقيا وأمريكاالشمالية كذلك، ولم تَظهر فكرة فلسطين ـ باعتبارها أرض الميعاد ـ إلا بعد فترةٍ منالزمن.
لقد حاول هرتزل الحصول على مكان في (مُوزمبيق) ثم في (الكنغو)البلجيكي، كذلك كان زملاؤه في إنشاء الحركة الصهيونية السياسية، فقد كان "ماكسنوردو" يلَقَّب بالإفريقي و"حاييم وايزمان" بالأوغندي، كما رُشِّحت (الأرجنتين) عام 1897 و (قبرص) عام 1901، و (سيناء) في 1902 ثم (أوغندا) مرَّة أخرى في 1903 بناءعلى اقتراح الحكومة البريطانية، وأُصيب هرتزل بخيبة أملٍ كبيرة؛ لأن اليهود فيالعالم لم تَرُقْ لهم فكرة دولة يهوديَّة سياسيَّة؛ سواء لأسباب أيديولوجية؛ أولأنهم كانوا عديمي الرغبة في النزوح عن البلاد التي استقرُّوا فيها. بل إن مؤتمرالحاخامات الذي عُقد في مدينة فيلادلفيا في أمريكا في أواخر القرن التاسع عشر أصدربيانًا يقول: إن الرسالة الروحية التي يَحمِلها اليهود تتنافى مع إقامة وحدة سياسيةيهودية منفصلة!.
وإزاء هذا الموقف، فكَّر "هرتزل" في طريقة يُواجه بها هذاالوضع، وهداه تفكيره إلى أن يُحوِّل الموضوع إلى قضية دِينِيَّة يُلهِب بها عَواطِفجماهير اليهود.. ورأى أن فلسطين هي المكان الوحيد الذي يُناسِب هذه الدعوة الجديدة،ولليهود بفلسطين علائق تاريخيَّة، ولهم فيها مُقدَّسات دينية، وارتفعتْ رايةُالدينِ على سَاريةِ المشروع والتَهبت العواطف، وانتصر رأي "هرتزل" وإن يكن بعدوفاته، فقد احتضن المُؤتمر اليهودي العالمي فكرةَ الوطنِ اليهودي في فلسطين عام 1905، بعد موته بسنة.
*الحقيقة بأفواههم:
*وقد عرض ناحوم جولدمان القضية بشكل دقيق عام 1947 في خطاب له ألقاه في مونتريال بكندا قال: " كان بإمكان اليهود أن يحصلوا على أوغندا أو مدغشقر أو غيريهما لينشئوا هناك وطناً قومياً لهم ولكن اليهود لا يريدون على الإطلاق سوى فلسطين لا لاعتبارات دينية أو بسبب إشارة التوراة إلى فلسطين, ولا لأن مياه البحر الميت تستطيع أن تعطي عن طريق التبخر ما قيمته خمسة آلاف دولار من المعادن والأملاح, ولا لأن تربة فلسطين الجوفية كما يقولون تحتوي على كميات من البترول تزيد عن الاحتياطي في الأمريكيتين, بل لأن فلسطين هي ملتقى الطرق بين أوروبا وآسيا وإفريقيا, ولأنها المركز الحقيقي للقوة السياسية العليا والمركز العسكري الاستراتيجي للسيطرة على العالم".
*يقول يعقوب ميريدور وزير التخطيط والتنسيق الاقتصادي (1982- 1984) في حديث له لإذاعة الجيش الأمريكي: " إنه لولا وجود إسرائيل كقاعدة ومنطقة نفوذ وحليف للولايات المتحدة لاضطرت الأخيرة إلى بناء عشرات حاملات الطائرات".
*الصهيونية واليهودية:
الصهيونية ليست هي الديانة اليهودية نفسها..وهذا مما يثبت أن هجرة اليهود إلى فلسطين لم يكن بهدف ديني كما يزعمون..لأن الصهيونية:
*
حركة قائمة على الجهد البشري الذي يمكن أن يتعامل مع الدين اليهودي وفق أشكال ودرجات متفاوتة.
*
ليس كل من يعمل لمصلحة اليهود هو يهودي متدين وملتزم بتعاليم دينه لأن البعض يخدم أبناء دينه بدافع الانتماء القومي أو الحضاري.
*
ليست الصهيونية مقصورة على اليهود وحدهم إذ أن هناك تيارات كبيرة وقيادات مؤثرة في الأوساط المسيحية وخصوصاً البروتستانت التي تؤمن بالصهيونية وتسعى لخدمة مشروعها وإنجازه.
*
أن هناك بعض اليهود لا يؤمنون بالصهيونية وإن كانوا قلة إلا أنهم موجودون من أمثال جماعة (ناطوري كارتا) التي ترفض الاعتراف بالكيان الصهيوني ويؤمنون بأن عودة اليهود مرتبطة بالإرادة الربانية ولا يجوز فرضها أو التعجيل بها.