لماذا لا نسامح ؟ولماذا تبقى المواقف السلبية ومشاعرنا المؤلمة حاضرة لفترة طويلة حتى بعد انتهاء الموقف السلبي؟ الغدر والخيانة وكل الجروح مؤلمة لكن لا احد يسلم منها فما هو فرق الذي يسامح والذي يبقى يدور في فلك المشاعر السلبية؟
لأننا ببساطة لا نعرف كيف نسامح وفي نفس الوقت نمنع الآخرين من الإساءة لنا.
أجرى باحثون في جامعة (ويسكونسين) تجارب على 46شخصا من الذكور أصيبوا بأمراض خاصة بالشريان التاجي، وفي حياتهم قصص تتعلق بالحروب أو بذكريات الطفولة أو بمشاكل عائلية أو بخلافات في العمل، وخلصوا إلى أن أولئك الذين تلقوا تدريبًا على التسامح والغفران تحسن لديهم تدفق الدم إلى القلب.
أعجبتني فكرة التدريب على التسامح وأتذكر أني قبل سنوات التحقت ببرنامج للتدريب على التسامح، وكان جميلا أن نتعلم آلية العفو. علماء وأطباء النفس في السنوات الأخيرة قدموا دراسات عن دور المغفرة والتسامح في العلاقات بين البشر. لكن الجديد أنهم بدؤوا يدرسون المنافع الصحية للمغفرة.
(كاثلين لولير) أستاذة علم النفس في جامعة تينيسي أجرت مع فريق من الباحثين مقابلة لـ(107) طلاب في الجامعة في وقت تعرض كل منهم لخداع أو إساءة من آخر ثم قاسوا الأعراض البدنية الظاهرة عليهم، وسألوا الطالب عن مستوى مشاعر التسامح التي يحس بها لهذا الآخر، وأخذ الباحثون القياسات البدنية التي تتضمن ضغط الدم وسرعة ضربات القلب والتوتر العضلي في جبهة الرأس ودرجة تعرق الجلد خلال المقابلة. وكانت الخيانات بين المحبين وحالات الطلاق بين المتزوجين من أكثر الحالات التي يحس بها الناس بالغدر شيوعا. حسبما أظهرته الدراسة.
ووجدت لولير أن 20من هؤلاء الذين كانوا الأقل استعدادا للمغفرة هم من كانوا يظهرون أعلى مستويات من ضغط الدم أكثر من العشرين الذين كانوا الأكثر ميلا للتسامح، والتأثير نفسه لوحظ على التوتر العضلي الجبهي. وتقول لولير: وجدنا أن الميالين للمغفرة كانوا ينفسون عن توترهم خلال اللقاء فيما كان غير المستعدين للمغفرة يحتفظون بتوترهم لزمن أطول.
مشكلتنا مع التسامح ليس في صعوبة أن نمارسه فديننا أوصى به وما من نموذج أكرم من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم حين سامح وعفا عن قريش لما فتح مكة، لكن المشكلة في فهمنا للتسامح حيث يعتقد بعضنا أنه ضعف.
وفي الحقيقة التسامح فن ،كيف تغفر للآخر لكن لا تسمح له أن يكرر الإساءة إليك . وليس كما يعلم بعضنا أطفاله الخنوع والاستسلام مدعيا انه يعلمهم العفو.
التسامح مهارة يمكن تعلمها في أي وقت من عمر الإنسان ولكنها إرادته في أن يقرر أن يسامح الآخرين دون استثناء،أن يصل إلى مرحلة من السلام الداخلي تمكنه من غسل ما بداخله تجاه الآخر حتى دون أن يتواصل معه.
المصدر: جريدة الرياض السعودية