بسم الله الرحمن الرحيم
البدعة او الإبتداع في الدين
أن البدعة تمثل خطورة عظيمة على المجتمع المسلم فهي عنوان كل شر وباب لكل بلاء وضلال
والبدعة كما عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي كل ما يتم أحداثه في الدين ليس له دليل في الكتاب والسنة أو السلف الصالح رضوان الله عليه
لقوله صلى الله عليه وسلم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عَضُو عليها بالنواجز" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكما صح عنه أيضا أنه قال " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي " وصح عنه أيضا أنه قال" أياكم ومحدثات الأمور فأن كل
محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة بالنار" .
فيتضح لنا أخي الكريم تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدعة وشرها ، لأنها كانت البدايه لهلاك كل الأمم وضياعها
وضياع الدين فيمن كانوا من قبلنا ولو لاحظنا سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
سنجد أنها أتسمت برحمة النبي صلى الله عليه وسلم على كل العباد حتى من آذوه وذلك مصداق لقوله سبحانه وتعالى [ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين] ونلاحظ كيف
كان متلطف ورحيم بالعصاة بالرغم من تغليظ عقوبة ما يقعوا فيه من ذنوب من الحق سبحانه وتعالى .
أولا : تعريف البدعة؛ أنواعها وأحكامها
تعريف البدعة :
البدعة في اللغة مأخوذة من البدع، وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } ؛ أي : مخترعها على غير مثال سابق،
وقوله تعالى : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ } ؛ أي : ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد، بل تقدمني كثير من الرسل،
ويقال : ابتدع فلان بدعة؛ يعني : ابتدأ طريقة لم يسبق إليها .
والابتداع قسمان :
1- ابتداع في العادات: كابتداع المخترعات الحديثة ، وهذا مباح؛ لأن الأصل في العادات الإباحة .
2- وابتداع في الدين : وهذا محرم؛ لأن الأصل فيه التوقيف؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد ) [ رواه البخاري ومسلم ] ،
وفي رواية : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد ) [ في " صحيح مسلم " ] .
أنواع البدع
البدعة في الدين نوعان :
النوع الأول : بدعة قولية اعتقادية؛ كمقالات الجهمية والمعتزلة والرافضة وسائر الفرق الضالة واعتقاداتهم .
النوع الثاني : بدعة في العبادات؛ كالتعبد لله بعبادة لم يشرعها الله ، وهي أنواع :
النوع الأول : ما يكون في أصل العبادة؛ بأن يحدث عبادة ليس لها أصل في الشرع، كأن يحدث صلاة
غير مشروعة أو صياما غير مشروع أو أعياداً غير مشروعة كأعياد الموالد وغيرها .
النوع الثاني : ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة؛ كما لو زاد ركعة خامسة في صلاة الظهر أو العصر مثلا .
النوع الثالث : ما يكون في صفة أداء العبادة؛ بأن يؤديها على صفة غير مشروعة، وذلك كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة،
وكالتشديد على النفس في العبادات إلى حد يخرج عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
النوع الرابع : ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الشرع؛ كتخصيص يوم النصف من شعبان وليلته
بصيام وقيام؛ فإن أصل الصيام والقيام مشروع، ولكن تخصيصه بوقت من الأوقات يحتاج إلى دليل .
حكم البدعة في الدين
كل بدعة في الدين -من أي نوع كانت- فهي محرمة وضلالة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )
[ رواه أبو داود والترمذي، وقال : " حديث حسن صحيح " ] ،
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد ) ، وفي رواية : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد ) .
فدلت هذه الأحاديث على أن كل محدث في الدين فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة مردودة .
وأما تقسيم البدعة إلى قسمين ::
بدعة حسنة وبدعة سيئة؛ فهو غالط ومخطئ ومخالف لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن كل بدعة ضلالة ) ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم على
البدع كلها بأنها ضلالة، وهذا يقول : ليس كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة .
قال الحافظ ابن رجب في " شرح الأربعين " : " فقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل بدعة ضلالة ) : من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء،
وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد ) ؛ فكل من أحدث شيئا
ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه؛ فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة "
وليس لهؤلاء حجة على أن هناك بدعة حسنة؛ إلا قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح : " نعمت البدعة هذه " !
وقالوا أيضا : إنها أحدثت أشياء لم يستنكرها السلف؛ مثل : جمع القرآن في كتاب واحد، وكتابة الحديث وتدوينه .
والجواب عن ذلك أن هذه الأمور لها أصل في الشرع؛ فليست محدثة .
وقول عمر : " نعمت البدعة " ؛ يريد : البدعة اللغوية لا الشرعية؛ فما كان له أصل في الشرع يرجع إليه،
إذا قيل : إنه بدعة؛ فهو بدعة لغة لا شرعا؛ لأن البدعة شرعا ما ليس له أصل في الشرع يرجع إليه .
وجمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن،
لكن كان مكتوبا متفرقا، فجمعه الصحابة في كتاب واحد حفظا له .
والتراويح قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي وتخلف عنهم في الأخير خشية أن تفرض عليهم،
واستمر الصحابة رضي الله عنهم يصلونها أوزاعا متفرقين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته،
إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلف إمام واحد؛ كما كانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا بدعة في الدين .
وكتابة الحديث أيضا لها أصل في الشرع؛ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة بعض الأحاديث لبعض أصحابه لما طلب منه ذلك،
وكان المحذور من كتابته بصفة عامة في عهده صلى الله عليه وسلم خشية أن يختلط بالقرآن ما ليس منه،
فلما توفي صلى الله عليه وسلم؛ انتفى هذا المحذور؛ لأن القرآن قد تكامل وضبط قبل وقاته صلى الله عليه وسلم،
فدون المسلمون السنة بعد ذلك حفظا لها من الضياع، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا؛
حيث حفظوا كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم من الضياع وعبث العابثين .
الأسباب التي أدت إلى ظهور البدع
مما لا شك فيه أن الاعتصام بالكتاب والسنة فيه منجاة من الوقوع في البدع والضلال .
قال تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } .
وقد وضح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود رضي الله عنه؛
قال : ( خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا، فقال هذا سبيل الله ثم خطَّ خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال : " وهذه سبل،
على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه " [ رواه أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم ] ثم تلا { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ) .
فمن أعرض عن الكتاب والسنة؛ تنازعته الطرق المضللة والبدع المحدثة .
فالأسباب التي أدت إلى ظهور البدع تتلخص في الأمور التالية :
الجهل بأحكام الدين، اتباع الهوى، التعصب للآراء والأشخاص، التشبه بالكفار وتقليدهم .
ونتناول ذلك بشيء من التفصيل :
1- الجهل بأحكام الدين
كلما امتد الزمن وبعد الناس عن آثار الرسالة؛ قل العلم وفشا الجهل؛
كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( من يعش منكم؛ فسيرى اختلافا كثيرا ) [ من حديث رواه أبو داود والترمذي، وقال : " حديث حسن صحيح " ]
، وقوله : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما؛ اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا،
فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ) .
فلا يقاوم البدع إلا العلم والعلماء؛ فإذا فقد العلم والعلماء؛ أتيحت الفرصة للبدع أن تظهر وتنتشر ولأهلها أن ينشطوا .
2- اتباع الهوى
ان من أعرض عن الكتاب والسنة؛ اتبع هواه؛ كما قال تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } ،
وقال تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ } ،
والبدع إنما هي نسيج الهوى المتبع .
3- التعصب للآراء والرجال
التعصب للآراء والرجال يحول بين المرء واتباع الدليل ومعرفة الحق، قال تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا }
وهذا هو شأن المتعصبين اليوم من بعض أتباع المذاهب والصوفية والقبوريين، إذا دعوا إلى اتباع الكتاب والسنة ونبذ ما هم عليه مما يخالفهما؛
احتجوا بمذاهبهم ومشايخهم وآبائهم وأجدادهم .
4- التشبه بالكفار
وهو من أشد ما يوقع في البدع كما في حديث أبي واقد الليثي؛
قال : ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين
سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا يا رسول
الله ! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر ! إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } ،
لتركبن سنن من قبلكم ) [ رواه الترمذي وصححه ] .
ففي هذا الحديث أن التشبه بالكفار هو الذي حمل بني إسرائيل وبعض أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام أن يطلبوا هذا الطلب القبيح، وهو أن يجعل لهم آلهة
وهذا هو نفس الواقع اليوم؛ فإن غالب الناس من المسلمين قلدوا الكفار في عمل البدع والشركيات؛
كأعياد الموالد، وإقامة الأيام والأسابيع لأعمال مخصصة، والاحتفال بالمناسبات الدينية والذكريات،
وإقامة التماثيل والنصب التذكارية، وإقامة المآتم وبدع الجنائز والبناء على القبور . . . وغير ذلك .
بيان نماذج من البدع المعاصرة
البدع المعاصرة كثيرة بحكم تأخر الزمن، وقلة العلم، وكثرة الدعاة إلى البدع والمخالفات، وسريان التشبه بالكفار في عاداتهم وطقوسهم
؛ مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ) [ رواه الترمذي وصححه ] .
الاحتفال بمناسبة المولد النبوي في ربيع الأول
ومن هذا التشبه التشبه بالنصارى في عمل ما يسمى بالاحتفال بالمولد النبوي .
يحتفل جهلة المسلمين أو العلماء المضلين في ربيع الأول من كل سنة بمناسبة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فمنهم من
يقيم هذا الاحتفال في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت أو الأمكنة المعدة لذلك، ويحضره جموع كثيرة من دهماء الناس وعوامهم؛
يعملون ذلك تشبها بالنصارى في ابتداعهم الاحتفال بمولد المسيح عليه السلام .
والغالب أن هذا الاحتفال- علاوة على كونه بدعة وتشبها بالنصارى- لا يخلو من وجود الشركيات والمنكرات؛
كإنشاء القصائد التي فيها الغلو في حق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى درجة دعائه من دون الله والاستغاثة به،
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في مدحه،
فقال : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله ) [ رواه الشيخان ] .
والإطراء معناه الغلو في المدح، وربما يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر احتفالاتهم .
ومن المنكرات التي تصاحب هذه الاحتفالات الأناشيد الجماعية المنغمة وضرب الطبول وغير ذلك من عمل الأذكار الصوفية المبتدعة،
وقد يكون فيها اختلاط بين الرجال والنساء، مما يسبب الفتنة ويجر إلى الوقوع في الفواحش .
وحتى لو خلا هذا الاحتفال من هذه المحاذير، واقتصر على الاجتماع وتناول الطعام وإظهار الفرح كما يقولون؛
فإنه بدعة محدثة، " وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة " ، وأيضا هو وسيلة إلى أن يتطور ويحصل فيه ما يحصل في الاحتفالات الأخرى من المنكرات .
وقلنا : إنه بدعة لا أصل له في الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح والقرون المفضلة، وإنما حدث متأخرا بعد القرن الرابع الهجري، أحدثه الفاطميون الشيعة .
قال الإمام أبو حفص تاج الدين الفاكهاني رحمه الله : " أما بعد؛ فقد تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول
ويسمونه المولد؛ هل له أصل في الدين ؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مبينا والإيضاح عنه معينا، فقلت -وبالله التوفيق- : لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة،
ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اغتنى بها الأكالون " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وكذلك ما يحدثه بعض الناس -إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام،
وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما- من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، مع اختلاف الناس في مولده؛
فإن هذا لم يفعله السلف، ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا؛ لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا،
وهم على الخير أحرص، وإنما كان محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرا ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان؛
فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان "
البدع التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة؛ لأن الأصل في العبادات التوقيف؛ فلا يشرع شيء منها إلا بدليل،
وما لم يدل عليه دليل؛ فهو بدعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد ) .
والعبادات التي تمارس الآن ولا دليل عليها كثيرة جدا :
منها : الجهر بالنية للصلاة؛ بأن يقول : نويت أصلي لله كذا وكذا ! وهذا بدعة؛ لأنه ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم،
ولأن الله تعالى يقول : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، والنية محلها القلب؛ فهي عمل قلبي لا عمل لساني .
ومنها : الذكر الجماعي بعد الصلاة؛ لأن المشروع أن كل شخص يقول الذكر الوارد منفردا .
ومنها : طلب قراءة الفاتحة في المناسبات وبعد الدعاء للأموات .
ومنها : إقامة المآتم على الأموات وصناعة الأطعمة واستئجار المقرئين؛ يزعمون أن ذلك من باب العزاء،
أو أن ذلك ينفع الميت . . . وكل ذلك بدعة لا أصل له وآصار وأغلال ما أنزل الله بها من سلطان .
ومنها : الاحتفال بالمناسبات الدينية؛ كمناسبة الإسراء والمعراج، ومناسبة الهجرة النبوية، وهذا الاحتفال بتلك المناسبات لا أصل له من الشرع .
ومن ذلك : ما يفعل في شهر رجب؛ كالعمرة الرجبية، وما يفعل فيه من العبادات الخاصة به؛ كالتطوع بالصلاة والصيام فيه؛
فإنه لا ميزة له على غيره من الشهور؛ لا في العمرة والصيام والصلاة والذبح للنسك فيه ولا غير ذلك .
ومن ذلك : الأذكار الصوفية بأنواعها؛ كلها بدع ومحدثات؛ لأنها مخالفة للأذكار المشروعة في صيغتها وهيئاتها وأوقاتها .
ومن ذلك : تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام ويوم النصف من شعبان بصيام؛ فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء خاص به .
ومن ذلك : البناء على القبور، واتخاذها مساجد، وزيارتها لأجل التبرك بها والتوسل بالموتى وغير ذلك من الأغراض الشركية،
وزيارة النساء لها؛ مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج .
وختاما نقول : إن البدع بريد الكفر، وهي زيادة دين لم يشرعه الله ولا رسوله، والبدعة شر من المعصية الكبيرة،
والشيطان يفرح بها أكثر مما يفرح بالمعاصي الكبيرة؛ لأن العاصي يفعل المعصية وهو يعلم أنها معصية فيتوب منها،
والمبتدع يفعل البدعة يعتقدها دينا يتقرب به إلى الله فلا يتوب منها، والبدع تقضي على السنن، وتكره إلى أصحابها فعل السنن وأهل السنة،
والبدعة تباعد عن الله وتوجب غضبه وعقابه وتسبب زيغ القلوب وفسادها .
ما يعامل به المبتدعة
سئل الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله
فأجاب :
تحرم زيارة المبتدع ومجالسته؛ إلا على وجه النصيحة له والإنكار عليه، لأن مخالطته تؤثر على مخالطه شرا، وتنشر عداوة إلى غيره .
ويجب التحذير منهم ومن شرهم إذا لم يمكن الأخذ على أيديهم ومنعهم من مزاولة البدع، وإلا؛ فإنه يجب على علماء المسلمين وولاة أمورهم منع البدع
والأخذ على أيدي المبتدعة وردعهم عن شرهم؛ لأن خطرهم على الإسلام شديد .
ثم إنه يجب أن يعلم أن دول الكفر تشجع المبتدعة على نشر بدعتهم، وتساعدهم على ذلك بشتى الطرق؛ لأن في ذلك القضاء على الإسلام وتشويه صورته .
نسأل الله عز وجل أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويخذل أعداءه .
من كتاب
"الإرشاد إلى صحيح الإعتقاد "