وصلى عثمان رضي الله عنه صلاة نافلةٍ ختم فيها سورة طه، ثم جلس بعد ذلك يقرأ في المصحف.
في هذا الوقت كان أهل الفتنة يفكرون بشكل حاسم، وسريع في قتل عثمان رضي الله عنه، خاصة مع علمهم باقتراب الجيوش الإسلامية المناصرة للخليفة رضي الله عنه من المدينة المنورة.
فدخل رجل يُسمى كنانة بن بشر التجيبي، وكان من رءوس الفتنة بشعلة من نار، وحرق بابَ بيتِ عثمان رضي الله عنه، ودخل ومعه بعض رجال الفتنة، ثم دخل رجل آخر يسمونه الموت الأسود، قيل إنه عبد الله بن سبأ وقيل غيره، فخنق عثمان بن عفان رضي الله عنه خنقًا شديدًا حتى ظن أنه مات، فتركه، وانصرف، ودخل بعد ذلك محمد بن أبي بكر الصديق، وكما ذكرنا أنه كان الوحيد من الصحابة الذي شارك في هذه الفتنة في هذا الوقت، فدخل عليه، وكان يظنه قد مات، فوجده حيًّا فقال له:
على أي دين أنت يا نعثل؟!
ونعثل هذه سُبّة تُقال للشيخ الأحمق، وللظبي كثير الشعر، فقال عثمان رضي الله عنه وأرضاه: على دين الإسلام، ولست بنعثل، ولكني أمير المؤمنين.
فقال: غيّرت كتابَ الله.
فقال عثمان رضي الله عنه: كتاب الله بيني وبينكم.
فتقدم إليه وأخذ بلحيته وهزّه منها وقال: إنا لا نقبل أن نكون يوم القيامة مما يقول: [رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا] {الأحزاب:67}.
فإلى هذه اللحظة، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وبعض أفراد الفتنة يظنون أنهم يفعلون الخير بقتلهم، أو خلعهم لعثمان رضي الله عنه، فهو يحاول القتل أو الخلع للخليفة طاعة لله، ونجاة من النار، وهذا بلا شك من تلبيس إبليس عليهم.
فقال عثمان رضي الله عنه: يا ابن أخي إنك أمسكت لحية كان أبوك يكرمها.
فلما قال له عثمان رضي الله عنه ذلك وضحت الحقيقة فجأةً أمام محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكأن عثمان رضي الله عنه أزال بهذه الكلمات غشاوة كانت تحجب الحق والصواب عن قلب محمد بن أبي بكر، وتذكر تاريخ عثمان رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أبيه الصديق رضي الله عنه، ومع المسلمين، فاستحيا محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما، وخارت يده من على لحية عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبكى، ثم وقف، وتركه، وانصرف، فوجد القوم يدخلون على عثمان رضي الله عنه، فأمسك سيفه، وبدأ يدافع عن عثمان رضي الله عنه، ولكنهم غلبوه فلم يستطع أن يمنعهم، ويشهد بذلك السيدة نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان رضي الله عنه.
ثم دخل على عثمان رضي الله عنه كنانة بن بشر الملعون، وحمل السيف، وضربه به، فاتّقاه عثمان رضي الله عنه بيده فقطع يده، فقال عثمان رضي الله عنه عندما ضُرب هذه الضربه: بسم الله توكلت على الله.
فتقطرت الدماء من يده، فقال: إنها أول يد كتبت المفصل.
ثم قال: سبحان الله العظيم.
وتقاطر الدم على المصحف، وتثبت جميع الروايات أن هذه الدماء سقطت على كلمة [فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ] {البقرة:137}.
بعد ذلك حمل عليه كنانة بن بشر وضربه بعمود على رأسه، فخرّ رضي الله عنه على جنبه، وهمّ كنانة الملعون بالسيف ليضربه في صدره، فانطلقت السيدة نائلة بنت الفرافصة تدافع عن زوجها، ووضعت يدها لتحمى زوجها من السيف فقُطعت بعض أصابعها بجزء من كفها، ووقعت السيدة نائلة رضي الله عنها.
وطعن كنانةُ عثمانَ رضي الله عنه في صدره، ثم قام سودان بن حمران بحمل السيف، وطعن عثمان رضي الله عنه في بطنه فمال رضي الله عنه إلى الأرض فقفز على بطنه، واتّكأ على السيف بجسده ليتأكد من اختراق السيف لجسد عثمان رضي الله عنه، ومات رضي الله عنه وأرضاه بعد هذه الضربة.
ثم قفز عليه عمرو بن الحمق، وطعنه في صدره تسع طعنات، وقال: هذه الثلاثة الأولى لله، وهذه الست لشيء في نفسي.
استشهد ذو النورين عثمان رضي الله عنه وأرضاه زوج ابنتي الرسول صلى الله عليه وسلم، والمبشَّر بالجنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع، وثالث الخلفاء الراشدين، وقد لَقِيَ بعد استشهاده رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وعده بذلك.
بعد أن قتل هؤلاء الخوارج المجرمون عثمان رضي الله عنه أخذوا ينهبون ما في بيته ويقولون: إذا كان قد أُحلّ لنا دمه أفلا يحل لنا ماله؟
وأخذوا كل شيء حتى الأكواب، ولم يتركوا شيئًا، ثم همّوا بعد ذلك أن يقطعوا رأس عثمان رضي الله عنه، فصرخت السيدة نائلة، والسيدة أم البنين زوجتاه، وصرخت بناتُه، فقال عبد الرحمن بن عديس، وهو أحد رءوس الفتنة: اتركوه.
فتركوه، وبينما هم خارجون، قفز غلامٌ لعثمان رضي الله عنه على سودان بن حمران أحد قتلة عثمان رضي الله عنه، فقتله، فقام رجل من أهل الفتنة يُسمّى قترة، فقتل الغلام، فقام غلامٌ آخر، وقتل قترة، فقام القوم، وقتلوا الغلام الثاني.
ففي هذا الحدث قُتل عثمان رضي الله عنه، واثنين من غلمانه، وقُتل أيضًا بعض الصحابة، وبعض أبنائهم، وجُرح عبد الله بن الزبير، كما جُرح الحسن والحسين رضي الله عنهم جميعًا.
ثم توجه هؤلاء الفجرة الخوارج إلى بيت مال المسلمين، وحاولوا أن يأخذوا المال، وهذا يؤكد لنا أنه ما أخرجهم إلا حب الدنيا، فصرخ حراس بيت المال: النجا النجا.
ولكن غلبهم أهل الفتنة، واستطاعوا الاستيلاء على أموال كثيرة من بيت المال، وصاح حفظة بيت المال: والله إنهم قوم يريدون الدنيا، وما أرادوا الإصلاح كما قالوا.
أما الجيوش التي كانت على مشارف المدينة مرسلة من ولاة عثمان، فقد رجعت إلى أمرائها بعد معرفتها بمقتل عثمان وتولية عليّ رضي الله عنه.