بسم الله الرحمن الرحيم
لكل عمل من اعمال الناس، ولكل فن من فنون الحياة آداب خاصة: فللكلام آداب وللطعام آداب وللمناظرة آداب والمحاماة لها آدابها الخاصة بها تعرف في عالم القضاء بآداب المحاماة. ولقد كانت آداب المحاماة عرفا وتقليدا وأدبا ثم تطور الزمن وتغيرت المفاهيم ودب التحلل من القيم الاخلاقية فلم يجد المشرع بدا من ان يحول تلك الآداب الى وجائب يتعين على المحامي ان يتقيد بها ويعمل على التخلق بها وهكذا امست المحاماة اشتاتا من التقليد والعرف والقانون لا يضمها كتاب ويلم بها بحث.
لذا ولما كانت المحاماة جليلة القدر لجلال رسالتها، كان على من يزاولها ان يكون جديرا بحمل لقب (المحامي) نبيلا بتصرفه، سليما في سلوكه، حسنا في مظهره ، والتصرف الحسن في العمل والملبس والماكل والمعاشرة يضفي على المحامي مظهر الوقار والاحترام.
نبل المحاماة
ليس المحامي بالخصم الحقيقي وليس هو بطرف من اطراف النزاع وانما هو وكيل عن طرف في النزاع، يتولى مهمة الهجوم حينا ومهمة الدفاع حينا آخر، وقد يكون وكيلا عن شخص في نزاع ثم يصبح ضده في نزاع آخر، وقد يصرع خصم موكله (اليوم) في دعوى يتولى مهمة الدفاع عنه غدا في دعوى اخرى.
ولها يتعين على المحامي ان لا يتقيد بواجبه تلقاء موكله فقط وانما عليه ايضا ان يتقيد بواجبات المحاماة الاخرى التي لا محل فيها للخصومات الشخصية.
فلا يسيء للخصم بكلام ولا يجعل منه خصم حقيقي ولا يعامله الا بروح رياضية.
وان لا يسيء لكل من كانت له علاقة بالدعوى سواء اكان شاهدا ام خبيرا ام محاميا ام مدعيا عاما ام حكما، وان لا يسيء على وجه التخصيص لموكله ذاته وذلك برفع معنويات الموكل وان يفرج كربته ويقوي فيه الامل والرجاء، والنبل هو حصيلة كل العلوم والآداب والفنون والمميزات والاخلاق التي يجب ان تتوفر في المحامي.
واذا كان المحامي نبيلا في مزاولة فنه، (نبيلا) في اداء واجبه، فقد ادى رسالة المحاماة كاملة بشرف ونبل. وأن لا يكون رائده غير حمل الناس على احترامه وتقديره ولا مبتغى له غير مرضاة الله تعالى وليتذكر دائما النبل العظيم والمعنى السامي الذي انطوت عليه الآية الكريمة: (ادفع بالتي هي احسن!! فاذا الذي بينك وبينه عداوة، كأنه ولي حميم!!)
الشجاعة: والشجاعة هبة عظيمة من هبات الله وصفة جميلة من صفات الرجولة وميزة خاصة من مميزات (الشخصية) واذا كانت شجاعة القائد عنصرا اساسيا لتفوقه في القيادة وشجاعة الجندي عاملا من عوامل كسب المعركة وشجاعة التاجر في السوق باعث من بواعث نجاحه في تجارته، فما هي شجاعة ذلك الرجل الذي يقف وحده وسط معركة الرأي!! يعلن فيها رأيه ضد فئة وحزب او شعب او جور ولا سند له غير ايمانه بصدق دعوته ولا محفز له غير اخلاصه لربه ومبدئه وشعبه وبلاده ولا رائد له في هذا الموقف النبيل غير الفداء والتضحية انما هو ليس بالشجاع فقط!! وانما هو شجاع الشجاع!!
ان شجاعة الرأي ينبوع من ينابيع الخير والبركة وعامل من عوامل التفوق والنجاح وعنصر من عناصر العظمة والخلود. وان النفس الامارة بالسوء فعلى المحامي ان يحاسبها الحساب العسير في كل ظرف وزمان وعليه الا يطاوعها في التأثر بمال او جاه او خوف.
وعلى المحامي بعد دراسة القضية وتكوين فكرة كاملة عنها ان يواجه صاحب القضية بالحقيقة وان يكون شجاعا في مواجهة موكله معتمدا على ذلك بلجوئه لاسلوب الروية والاقناع والكلام الطيب والاسلوب النفساني، بحيث يخرج الزبون من مكتبه قانعا بوجهة نظره، راضيا مطمئنا او على الاقل غير ناقم او يائس.
والمحامي يدخل بامتحان عسير للتوفيق بين اداء واجبه في المحاماة وبين نجاته من ورطة الموقف وهنا تدخل مشكلة الشجاعة في مواجهة الخصم فقد يكون الخصم متنفذا في المجتمع او مشهور بالقدرة والكفاءة او يحتل مكانا مرموقا او حاكم اتسم حكمه بالظلم فكل هذه الامور تعد تحصيل حاصل لظهور فضيلة الشجاعة لدى المحامي، الشجاعة التي لا تعرف الخوف والمساومة والزلفى.
فليكن رائدك التقدير والاحترام لنفسك وللخصام لان الخصام ذاتهم وبحكم تماسهم بالمحامين يعرفون الصالح منهم والطالح ويفرقون في المعاملة بينهما ويدينون بالاحترام للمحامي الشجاع ويحسون بالاحتقار للمحامي الوقح.