لما لانبتسم للحياة بدل أن ن نبكي للموت
الريح تهب وتئن أنيناً حاداً كالجريح , والشمس تتوارى خلف الغيوم الرمادية في السماء التي هجرتها الطيور والعصافير أما الروابي والسهول فكانت تتململ في الفراغ الممتد ما بين الأرض والسماء . ووسط هذا السكون ، انتصبت خيمة عتيقة على بقعة منسية من هذه الأرض تضم أربعة جنود، يحرسون الأرض من غدر الزمان. كلهم بشر من لحم ودم وكلهم ينتظرون مرور الزمن بهدوء ليحققوا آمالهم وأحلامهم المؤجلة في هذه الحياة ،حيث كل شيء فيها مؤجل ليوم آخر ولكنهم لم يعرفوا بأن قطار الأحلام سيمر بجانب خيمتهم ، فهنا ، سيقف القطار ولكنهم لن يسافروا فيه ، وهنا سيقف القطار ولكنه لن يسير إلى محطة أخرى ، فهنا المحطة الأخيرة !!
جندي يخط رسالة لأمه التي لم يرها منذ زمن ، واخرعاشق ، يعد حقيبته بفرح ،فهو ذاهب في أجازة زواج ، والثالث متأمل في قراءة " الحرب والسلام " ، أما الرابع منهم فكان ينظف صديقته البندقية .
عندما شارفت الشمس الأرجوانية على المغيب وراء التلال البعيدة ، خيم الظلام الحزين على الأرض وفجأة ، زمجرت السماء على جارتها الأرض وشقت صدرها بهدير مرعب لطائرة معادية ولم تمض ثوان قليلة من عمر الزمن حتى انهالت بوحشية على هذه الخيمة الوديعة المنسية التي لم ينسها الموت !! تناثرت أشلاؤها في الهواء وكذلك أحلامها وآمالها وانتشرت رائحة الموت واللحم البشري الطري في المكان ، الذي كان منذ لحظات ، يعبق بأريج الحياة ودفء الحب وبأزاهير الأمل !!
سكون الموت يسود المكان والزمان من جديد . لقد أكمل الجندي الأول رسالته وختمها بعبارة " الوداع ياأمي " ، الجندي الثاني لم يتزوج ولكنه ذهب في أجازة أبدية وثالثهم لم ينهي قراءاته " للحرب والسلام " وأما رابعهم فقد رقد في سريره الأرجواني وقد احتضنته البندقية !!!
أما الأرض " أم البشرية"، الشاهدة الأزلية على بشاعة جرائمنا الإنسانية، فما زالت جريحة تنزف دما ودمعا، تبكي في كل مكان وزمان على أبنائها البشر!؟