ابتلي المسلمون في هذا الزمن بآفات لسانية كثيرة ، أضحى اقترافها سببا يهدد استقرار علاقات الناس و استمرارها، ومن أخطر هذه الآفات : النميمة ، و هي في معناها نقل الكلام بين طرفين أو أكثر بهدف الإفساد ، فتأتي ثمرة ذلك : تحول المحبة إلى ضغينة ، والصداقة إلى عداوة ، و التلاقي إلى تدابر ، فترثي المجالس من تفرق الأحبة بعد اجتماع ، ويخسر التاجر أرباحه بسعاية الساعي بينه وبين شريكه ، ويسخط الآباء على الأبناء ، و تعق البنات الأمهات ، وتقطع الأرحام بعد الالتحام.
لكن الكيس الفطن من لا تنطلي عليه أهداف الساعي ، فيكون نفيه للخبر الذي يُلقى في أذنه ، ثم ذكره لخصال صديقه الضحية و طيب علاقته الماضية معه، بمثابة ضمان لتواصل هذه العلاقة ،و صفعة رادعة لهذا الوسيط السيء ، و قُربة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى ، لأنه بعزوفه عما يشحن قلبه بالأخبارالسيئة يكون ممتثلا لقول ربه : " و لا تطع كلّ حلاّف مهين ، همّاز مشاءٍ بنميم " القلم ( 10،11) ،و مصغيا إلى نصح نبيه ـ صلى الله عليه وسلم في قوله:"لا يدخل الجنة نمام " .و لازال الحكماء يشنعون بهذه الخصلة ، وتستهجنها عقولهم حتى لا تجد في أقوالهم حول النميمة و النمام إلا مزيدا من الجرح والقدح والتشنيع ، فقالوا : " من أطاع الواشي ضيع الصديق " و قال الصاحب بن عباد : النميمة قبيحة و إن كانت صحيحة " أي أن للنميمة مقصد واحد هو الفساد حتى ولو كان الخبر الذي يذيعه الواشي صحيحا مؤكدا ، لذلك كان تصديق النميمة و قبولها بعد سماعها ،أقبح من نقل الساعي لها و في هذا يقول الشاعر:
من يخبرك بشتم عن أخٍ............... فهو الشاتم لا من شتمك
ذاك شيء لم يواجهك به.............. إنما اللوم على من أعلمك
و قال آخر
من نمّ في الناس لم تُؤمن عقاربه........ على الصديق و لم تُؤمن أفاعيه
كالسيل بالليل لا يدري به أحد .............. من أين جاء و لا من أين يأتيه
الويل للعهد منه كيف ينقضه................والويلُ للودّ منه كيف يُفنيه
وحسبنا من الكلام حول هذه الخصلة الشنيعة ما قاله ابن عباد : أن الميت رحمه الله ، واليتيم أجبره الله ، و الساعي لعنه الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله "