عنى الإسلام عناية خاصة بالروح- إنها في نظره- مركز الكيان البشري ونقطة ارتكازه. إنها القاعدة التي يستند إليها الكيان كله ويترابط عن طريقها. إنها المهيمن الأكبر على حياة الإنسان. إنها الموجه إلى النور، يكفي أنها صلة الإنسان بخالقه.
وإذا كانت طاقة الجسم، والعقل محدودة فإن طاقة الروح لا تعرف الحدود والقيود، لا تعرف الزمان والمكان، لا تعرف البدء والنهاية. لا تعرف الفناء.. هي وحدها تملك الاتصال بما يدركه الحس ولا يدركه العقل. هي وحدها التي تملك الاتصال بالخلود الأبدي والوجود الأزلي.. تملك الاتصال بالله. كما أنها هي التي تملك الاتصال بالوجود كله من وراء حواجز الزمان والمكان.
وعليه فلا غرابة أن تشكل التربية الروحية العامل الأكثر أهمية في بناء الشخصية الإسلامية المتكاملة، وهي تقوم على أمرين:
الأول: هو الإيمان بالله واليوم الآخر: وهو من أهم القوى المؤثرة في حياة الفرد والمجتمع.. هذا الإيمان هو الذي ينبعث عنه أكمل الصفات الإنسانية والاجتماعية من الإيثار والتضحية والحب والرحمة وإسداء الجميل، والتعاون على البر والتقوى واحتمال مشاق الجهاد، والبذل في سبيل الحق والخير وإقرار المثل العليا في الأرض.
والإيمان بالله يشعر المؤمن بالأمان النفسي، فهو ليس وحده في مواجهة الأحداث، ولكن الله معه. ولقد شكل الإيمان بالله واليوم الآخر السبب الحقيقي لانتصار المسلمين.. لم يكن انتصار معجزة.. وإنما نتيجة طبيعية لاستنجاد الأمة بربها ومن نجدة ربها لها، أنه نتيجة لسلوك هذه الأمة التي آمنت رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد (ص) نبياً ورسولاً.. بهذه العقيدة الصادقة انتصروا وصنّعوا واخترعوا وأثْرَوا التاريخ.
ونقطة البدء من كل حضارة هي العقيدة، هي القيم الموجهة للجماهير، هي الأفكار التي توجه سلوك قيادتها.
أما المبدأ الثاني للتربية الروحية فيقوم على الالتزام بآداب الإسلام وأداء فرائضه والتمسك بأحكامه؛ لأن الإسلام نظام شامل لكافة مجالات الحياة. فعلى المتعلم أن يشتغل بتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الحديث ومعانيه، ويشتغل بوظائف العبادات فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخاً بما يقرع سمعه من أدلة القرآن وحججه، وبما يرد عليه من شواهد الأحاديث وفوائدها، وبما يسطع عليه من أنوار العبادات، وبما يسري إليه من مجالسة الصالحين.. فيكون أول التلقين كإلقاء بذر في الصدر وتكون هذه الأسباب كالسقي والتربية له حتى ينمو ذلك البذر ويقوى ويرتفع شجرة طيبة راسخة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
والعبادة أشمل وأوسع من مجرد الشعائر التعبدية فهي تشمل كل شيء، كل عمل يتوجه به الإنسان إلى الله، وكل عمل يتركه الإنسان تقرباً لله واحتساباً.. بهذا المعنى تصبح العبادة هي الصلة الدائمة بين العبد والرب، وتصبح هي التربية الدائمة للروح.
وثمار هذه الصلة الدائمة بالله.. الإحساس الحي بالصلة الوثيقة بين الإنسان والكون.. ومن ثمارها حب الحياة في جميع الأحياء.. ومن ثمارها الاستعلاء على كل قوة طاغية في الأرض..