لايحظى بعفو الله .. المجاهرة بالمعصية فسوق ومجانة
لا
شك أن المجاهرة بالمعاصي والكبائر ذنب فوق الذنب وهى أمراً قد يؤدي بصاحبه
إلى الكفر في حال المجاهرة بها استهانة بتحريم المولى لها وافتخاراً
بفعلها ،فالمؤمن الحق عندما يقترف ذنباً يستر على نفسه ولا يفضحها ، فما
بالنا من المؤمن الذى ستره الله فى معصيته وفضح هو نفسه ؟
عن
ذلك يقول الشيخ فرحات السعيد المنجى من علماء الأزهر الشريف: عن أبي هريرة
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" كل أمتي معافى إلا
المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره
الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح
يكشف ستر الله عنه".
فالمعاصي
درجات والإثم يتفاوت فيها بحسب حال العاصي أثناء المعصية وحاله بعدها،
فليس المتخفي بمعصيته المستتر بها كالمجاهر، وليس النادم بعدها كالمفتخر
بها بل وهناك نوع ثالث فاسق مارد ماجن يتحدث بالزنى افتخاراً والعياذ
بالله ، يقول : إنه سافر إلى البلد الفلاني، وإلى البلد الفلاني ، وفجر
وفعل وزنى بعدة نساء ، وما أشبه ذلك ، يفتخر بهذا.
قال
ابن القيم : وبالجملة فمراتب الفاحشة متفاوتة بحسب مفاسدها، فالمتخذ
خدنا"صاحبة" من النساء والمتخذة خدنا "صاحب" من الرجال أقل شراً من
المسافح والمسافحة مع كل أحد، والمستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر
المستعلن، والكاتم له أقل إثماً من المخبِر المحدِّث للناس به، فهذا بعيد
من عافية الله تعالى وعفوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي
معافى إلا المجاهرين".
فيجب
على المسلم أن يُعقب ذنبه بتوبة واستغفار وندم وعزم على عدم العود لها لا
أن يُعقبها بافتخار ومجاهرة وحديث بها يقول رسولنا الكريم : ( إِنَّ
الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ ،
فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ زَادَ
زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ، فَذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ [ كَلا بَلْ رَانَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ] ) .
ويقول الدكتور مبروك عطية من علماء الأزهر الشريف :الحم
د
لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
،الحقيقة أن الطاعات تتفاوت مراتبها ودرجاتها بحسب الاعمال ذاتها وبحسب
العامل، وبحسب الوقت ، وبحسب السر ، فالمعاصي أيضاً تتفاوت مراتبها
وآثامها عند الله عز وجل ووزرها بحسب العامل الذي فعلها والجهر والإسرار .
مبدئياً
هناك من يوصف بالمعصية، وهناك من يوصف بالفجور ما الفرق بين العاصي
والفاجر ؟ العاصي يفطر في رمضان فيما بينه وبين الله،غلبته نفسه أو شق
عليه الصيام أما المجاهر فهو الذي يفطر أمام الملأ، وفي الطريق فالذي
يرتكب معصية، ويجهر بها يرتكب معصيتين يرتكب المعصية ذاتها ويرتكب معصية
أخرى وهي المجاهرة بها فهو حينما اجترأ عن الله عز وجل، وأظهر المعصية شجع
ضعاف الإيمان أن يقترفوا هذه المعصية، وأوضح مثل في رمضان، فقبل خمسين
عاماً تقريباً لا يجرؤ إنسان أن يتناول شيئاً في نهار رمضان ، أما حينما
كثر العصاة والمفطرون صار تناول الطعام في نهار رمضان شيئًا سهلاً جداً .
المجاهر
يشجع ضعاف الإيمان أن يقترفوا هذا الذنب، يحملون إثمهم وإثم من قلدهم في
هذا الذنب ، والمجاهر كما يقال : لا غيبة له، اذكر الفاجر بما فيه يحذره
الناس ، فهناك معصيتان ، المعصية الأساسية بحسب الشرع الإسلامي ، ومعصية
أخرى هي الجهر بها، لأن في الجهر بها تشجيعاً للناس على اقترافها ، لذلك
يقول نبينا صلى الله عليه وسلم : " كل أمتى معافى الا المجاهرين" .
ليس
في ديننا أن تعترف بذنب لإنسان أو لآخر، اجعل هذا الذنب بينك وبين الله
اقبل ستر الله لك، الله عز وجل سترك، وأبعد مكانتك عن أن تلوكها الألسن ،
فلماذا يفضح الإنسان نفسه ؟ هاتان معصيتان .
تقول
الدكتورة عبلة الكحلاوى استاذ الشريعة الاسلامية جامعة الازهر: بسم الله
الرحمن الرحيم ، بشر حبيبنا صلى الله عليه وسلم أمته في حديث "كل أمتى
معافى إلا المجاهرين" بالمعافاة من الذنوب والنجاة من عذاب الله تعالى
لكنه اشترط لذلك عدم المجاهرة بالمعاصي .
فالمسلم
عليه أن يسارع بالتوبة الصادقة ويستر على نفسه ويخفي عن الناس ذنبه ولا
يجاهر المعصية ، وعلى هذا ينال المعافاة من الله تعالى .
يا
اخوانى الجهر بالمعصية فسوق ومجانة ، فلنسأل أنفسنا لماذا أنكر الرسول هذا
السلوك ؟ لأن المجاهرين ارتكبوا إلى جوار معصية خالقهم معصية أخرى وهي
استهانتهم بالخلاق الفاضلة وتحديهم لشعور الناس ، ففي الجهر بالمعصية دعوة
إلى ارتكابها واستخفاف بها ومعاندة لله ورسوله والمؤمنين والعياذ بالله .
وعندما
يرتكب المسلم هذا الذنب فإنه يفقد خصلة الحياء ويُحرم بمجاهرته المعافاة
من الذنوب ويصعب عليه التوبة ، ويفسد المجتمع وتنتشر الرذيلة ، بسبب هؤلاء
المجاهرين فعلى المجتمع أن يأخذ على أيديهم ويعاقبهم .
ولا
ننسى أن الجزاء من جنس العمل فإذا ستر المذنب على نفسه حياء من الله تعالى
ومن الناس ستره الله في الدنيا، وستره يوم القيامة وعفا عنه فلا يفضحه
بإعلان هذا الذنب يوم القيامة، أما من قصد إظهار المعصية فإنه يهتك بمجونه
ما ستر الله عليه، ويشيع الفساد في المجتمع ، وهو بذلك يستحق غضب الله
تعالى ، وعدم الستر عليه يوم القيامة ، فيفضحه على رؤوس الأشهاد كما فضح
نفسه في الدنيا.