السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 18424 )
س 2 : ما هو تفسير الآية التالية : سورة البقرة الآية 44 أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ؟
ج 2 : هذه الآية في بني إسرائيل كما دل عليه ما قبلها ، فالخطاب فيها لهم ، وقد وبخهم الله تعالى فيها على اعوجاج سيرتهم وفساد عملهم ، فإن اليهود كانوا يزعمون الإيمان بالتوراة والعمل بها ، ولذا كانوا يدعون إلى ما فيها من بر وخير ووجوب طاعة الله تعالى وترك معصيته ، وهم مع هذا قد تنكبوا هديها ، وزاد القرآن من توبيخهم بنسبتهم إلى النسيان للمبالغة في عدم مبالاتهم وغفلتهم ، فإن الإنسان من شأنه أن لا ينسى نفسه من الخير ولا يحب أن يسبقه أحد إليه ، وهم لو اتبعوا هدي التوراة لآمنوا بمحمد
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 148)
صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه مكتوب عندهم فيها ومبشر به ، لكنهم انسلخوا من تلك الآيات حسدا وتكبرا وصرفوا وبدلوا ، مع أنهم يعرفونه صلى الله عليه وسلم مما عندهم من العلم كما يعرفون أبناءهم .
ويذكر أن الآية نزلت في أحبار اليهود ، كانوا يأمرون من نصحوه سرا بالإيمان بنبينا صلى الله عليه وسلم ولا يؤمنون به ، فكانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم .
ومعنى قوله تعالى : سورة البقرة الآية 44 وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أي : تعرفون منه ما لا يعرفه من تأمرونه باتباعه ، والفرق عظيم بين من يفعل وينقصه العلم بفوائد ما يفعل ، ومن يترك وهو عالم بمزايا ما يترك .
ومعنى قوله : أفلا تعقلون أي : أفلا عقل لكم يحبسكم عن هذا السفه ، ويحذركم وخامة عاقبته ، فإن من عنده أدنى عقل لا يدعي كمال العلم بالكتاب ويقوم بالإرشاد إلى هديه ، ويبين للناس سبيل السعادة باتباعه ، ثم هو لا يعمل به ولا يستمسك بأوامره ونواهيه .
وهذا الخطاب وإن كان موجها لليهود فهو عبرة وموعظة لغيرهم ، فليحذر كل أحد من أن يكون حاله كحال أولئك .
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 149)
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء