ومن منزلة إياك نعبد وإياك نستعين منزلة المراقبة
قال الله تعالى (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروا)-البقرة:235-وقال تعالى :(وكان الله على كل شيء رقيبا)-الأحزاب:52-وقال تعالى (وهو معكم أين ما كنتم)-الحديد:4-وقال تعالى (ألم يعلم بأن الله يرى)-العلق:14-وقال تعالى (فإنّك بأعيننا)-الطور:48-وقال تعالى(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)-غافر:19-إلى غير ذلك من الآيات.
وفي حديث جبريل عليه السلام : أنه (سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان؟ فقال له أن تعبد الله كأنك تراه.-1-
المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه.فاستدامته لهذا العلم واليقين:هي المراقبة وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه ، ناظر إليه، سامع لقوله.وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة ، وكل نَفَس وكل طرفة عين .والغافل عن هذا بمعزل عن حال البدايات .فكيف بحال المريدين؟فكيف بحال العارفين؟
وقال الجريري : من لم يحكّم بينه وبين الله تعالى التقوى والمراقبة : لم يصل إلى الكشف والمشاهدة؟
وقيل من راقب الله في خواطره ، عصمه في حركات جوارحه.
وقيل لبعضهم : متى يهش الراعي غنمه بعصاه عن مراتع الهلكة ؟ فقال : إذا علم أن عليه رقيبا.
وقال الجنيد : من تحقق في المراقبة خاف على فوات لحظة من ربه لا غير .
وقال ذو النون : علامة المراقبة إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظم الله ، وتصغير ما صغّر الله .
وقيل الرجاء يحرك إلى الطاعة ، والخوف يبعد عن المعاصي ، والمراقبة تؤديك إلى طريق الحقائق.
وقيل المراقبة مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كل خطرة وخطوة.
وقال الجريري : أمرنا هذا مبني على فصلين : أن تلزم نفسك المراقبة لله ، وأن يكون العلم على ظاهرك قائما.
وقال الخواص المراقبة خلوص السر والعلانية لله عز وجل.
وقيل أفضل ما يلزم الانسان نفسه في هذا الطريق : المحاسبة والمراقبة ،وسياسة عمله بالعلم .
وقال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري: إذا جلست للناس فكن واعظا لقلبك ونفسك.ولا يغرنك اجتماعهم عليك.فإنهم يراقبون ظاهرك.والله يراقب باطنك.
وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر : سبب لحفظها في حركات الظواهر .فمن راقب الله في سره، حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته .
والمراقبة هي التعبد باسمه الرقيب ، الحفيظ ، العليم ، السميع ، البصير-1-.فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها : حصلت له المراقبة والله أعلم
---------------
-1-بل يمكننا أن نقول إن المراقبة تتعدى هذه الأسماء إلى جميع الأسماء ، فكل اسم له تعبد ومراقبة تناسبه.
من كلام شيخ الإسلام ابن القيم الجوزية رحمه الله وقدّس روحه
من كتاب
ص417-418.
مدارج السالكين
بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
دار الكتاب العربي
الطبعة الأولى 1425هـ-2004م
بيروت
الله الموفق