حل المساء من جديد،وحلت تلاوينه الليلية ، تحمل كل العتمة،تصرخ باللعنات .ليل مدنية متوحشة مفترسة تكاد تأكل ذاتها إن لم نقل أنها بدأت في ذلك.
عندما يحتوينا هذا الكم من العتمة ونحن في أوج الاضواء الكاذبة يعترينا تناقض خطير بين ما يسكن داخلنا وما يعج خارجها.نلهج بالدعاء عله يدفع عنا تمزق خطير في احاسيسنا العليلة.
دوما يظن الكل انني تائه بلا عنوان وان هناك العديد من الادي الخارجة من الظلمات تتجاذبني فابدو كمن به مس من شياطين القرن العشرين: أدور في حلقة غير موجودة.
ان تحارب لتوجد معركة شبه خاسرة ،يكون فيها اقل الحظوظ للنجاح وكل الحظوظ للفشل...وكلما انتفى وجودنا زادت الرغبة في مغادرة اللحظة والعالم الذي طالما امنا انه عالمنا الصحيح بخلاف كثيرين أمنوا انهم ولدوا في الزمن الخاطئ فاختاروا الهروب منه كحل امثل.
طلما حلمت بالمدن الكبرى في طفولتي وطالما خشيت الضياع فيها وفي اضوائها المزعجة لتصور محدود كان يرتسم بمخيلتي انذاك.....لما كبرت وجدت حقيقة ان مخاوف الطفولة كانت في محلها ،وان الضياع في هذه المدنيات التي تمططت حتى صارت أكبر من تها شيء حتمي لا مفر منه : فاختر اي الضياعات تحب...مجبر اخاك لا بطل
حكاياهم لا تنقضي كاغاني الحاج المراكشي والغرائب داخل هذا الشعب الكتوي كادت تصير عادية ،المآسي التي تملأ الجنبات ما عادت تثير فضوا احد،فلا أحد تجده بلا مأساة ، منذ صارت هذه المدن كأسرة يتزايد أفرادها دون وجود أب لهم.
ذاك الذي كان مخمورا في طاكسي صغيرة في واضحة النهار ،كان يشتكي أخته التي أطاحت به بعيدا أو طردته من بينهم، بعدما تزوجت أحد النصارى ،ورغم وعودها له،صار يعامل كهمل لم يكن شيئا في يوم من الايام.
تلك التي وجدت نفسها وسط المدينة،مطرودة من زوجها،لا عائلة لها تلتجئ إليها ...وقررت أن تمضي اياما في بيت طالب كلية،تنظفه نهارا وتأوي إليه ليلا كبديل اضطراري لزوجها الذي طردها.
تلك الام التي رمي بها في الشارع من طرف زوجة ابنها ،والتي صارت تصرخ ليل نهار ،تلعن الدنيا واهلها وكل من اوصلها لنقطة في اخر ذاكرة عمرها..نقطة سوداء لا مجال لولوج ضوء أو شعاع منها.
تلك الفتاة التي وجدت نفسها فجاة بين احضان مختلفة كل ليلة ،تلبي الرغبة وتجني المال وتفعل ما ترتضيه وما لا ترتضيه وما يوصلها أحيانا لادنى دركات ماكان يسمى بالانسانية.
تلك العذراء التي بلغت الاربيعن ولم تشعر يوما بنفس رجل تحبه،ولم ينقبض قلبها لكلمة غزل واحدة ولم تسعفها دورة الليل والنهار لتحس انها انثى لها مشاعر ككل الاناث.
كل هؤلاء يدرون أحيانا واحيانا اخرى يغفلون على انه مجرد ورقة محروقة في لعبة احترفها سارقوا الوطن والاحلام وانهم جزء من مشاريع اصحاب الكروش الكبيرة : اقطاعيو الحداثة ...
كل هؤلاء لا يجدون الوقت ليتمعنوا في هذا الصرح الملعون الذي سموه حضارة في أرقى مستوياتها .بله ان يفكروا في اطاحته...
اهي النهاية على الابواب والرجل المريض ذات يوم يوشك ان يموت اليوم أم مخاض عسير لولادة مجتمع مشوه خلقيا وخلقيا...
نواميس السماء تقول ان البياض مهما اتسخ فإنه سيغتسل ذات لحظة من دنسه ودرنه...فلتحذر كل تلك الطفيليات التي تشبثت ببياض الارواح النقية الطاهرة واردتها سوداء متسخة،فذات يوم سيهطل المطر وسيستجيلون في المجاري وستعود الارواح لنقائها مجددا.